اختلاف
المفسرين
أسبابه وضوابطه
هذا
وإن دراسة اختلاف المفسرين ومعرفة أسبابه وأنواعه وضوابطه من الأمور الضرورية التي
لا غني عنها؛ لمعرفة كيف نتعامل مع كتب التفسير، سيما ما ورد فيها من أقوال متعددة
متنوعة، ومعرفة كيف نميز بين الاختلاف المحمود وبين الاختلاف المذموم، وكيف نرد
على أعداء ديننا الذين جعلوا من الاختلاف ذريعة للطعن في كتاب الله تعالى بل
وجعلوا من الأقوال الشاذة والروايات الواهية ملمزا ومُدَّخلا لمطاعنهم وأباطيلهم .
وفي
هذا، سنتناول أنواع الاختلاف وأسبابه مع ذكر أمثلة لكل نوع، وبيان القواعد
والضوابط التي نتعامل من خلالها مع أنواع الاختلاف.
اختلاف المفسرين
مفهومه
الاختلاف لغة ضد الاتفاق.
أنواعه
الاختلاف في التفسير: نوعان : اختلاف تنوع وهو الاختلاف المحمود، واختلاف تضاد
وهو المذموم. وفيما يلي بيان ذلك:
أولا: الاختلاف المذموم:
فهو اختلاف التضاد لأنه فيما لا مجال فيه للاختلاف وذلك كاختلاف
الفرق الضالة المنحرفة عن أهل السنة والجماعة حيث فسروا القرآن بما يتوافق مع
أهوائهم ومعتقداتهم الفاسدة، مخالفين بذلك ما ورد في تفاسير أهل السنة والجماعة، وهنا لا بد من الترجيح بين الآراء لبيان الحق. أيضا
من أسبابه اعتماد بعض المفسرين على الموضوعات والإسرائيليات التي تخالف
العقل والنقل واعتبارها أصلا في التفسير مما يتناقض مع الصحيح الوارد في تفسير
الآيات. ومنه أيضا اعتماد بعضهم علي مجرد معرفته باللغة والمسارعة إلي
تفسير القرآن بظاهر العربية دون الرجوع إلي أصول
التفسير وأدواته مما يؤدي إلي كثرة الغلط.
وذلك
كمن فسر قوله تعالى ] وآتينا
ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها [ [4]بأن المراد به
أن الناقة كانت مبصرة والصحيح في تفسير الآية :
" وآتينا ثمود الناقة " آية مبصرة أي حجة باهرة ومعجزة ظاهرة بدليل السياق قال
تعالى ] وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ
إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً
فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا {59} [سورة الإسراء.
ثانيا
: الاختلاف المحمود
أما
الاختلاف المحمود: فهو اختلاف التنوع أو
التلازم وهو كما عرفه السيوطي في الإتقان:
هو ما يوافق الجانبين كاختلاف وجوه القراءة …. ([5]) وهذا النوع من الاختلاف مفيد في فهم المعنى وفيه إثراء له. وله أسباب
عديدة: نذكرها ونورد أمثلة عليها ونبين الضوابط والقواعد التي نتعامل بها. فنقول
وبالله التوفيق : أسبابه :
1.
اختلاف
التعبير:
كأن يعبر كل مفسر عن
المعنى الواحد بعبارات شتى تدور كلها حول هذا المعنى، أو تكتمل بها صورته ويستقر
المعنى في الأذهان، أو أن يفسر بعضهم
اللفظ بمعان متنوعة لكنها تدور في محور
واحد: وبعض المفسرين قد يفسر المعنى بمثال عليه أو بلازمه.
فمن الأمثلة:اختلافهم في معنى قوله تعالى في سورة الروم ] فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ {15}[ فعن الضحاك رضي الله عنه
قال {في روضة يحبرون}: في جنة يكرمون.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال {يحبرون} : يكرمون .وعن
مجاهد رضي الله عنه قال: ينعمون.وعن يحيي بن أبي كثير قال: {في روضة يحبرون} أي
لذة السماع في الجنة. وعن الأوزاعي قال {في روضة يحبرون} هو السماع ([6]).
وكل هذه المعاني بيان لما هم
فيه من السعادة والحبور والتنعم فكلها تدور حول معنى واحد وكلها متنوعة لا تناقض
بينها حيث يسهل الجمع بينها .
2. أن يفسر بعضهم المعنى ببيان بعض ما يندرج تحته من
أنواع، أو يفسره بذكر مثال له :
من ذلك ما ورد في تفسير
قوله تعالى في سورة النساء ] الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ
اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَي بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ
فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ[ عن مجاهد {حافظات للغيب} للأزواج ، وعن
السدي {حافظات للغيب بما حفظ الله} يقول تحفظ على زوجها ماله وفرجها حتى يرجع كما
أمرها الله، وعن مقاتل قال: حافظات
لفروجهن لغيب أزواجهن، حافظات بحفظ الله لا يخنّ أزواجهن بالغيب، وعن عطاء قال: حافظات للأزواج بما حفظ الله
يقول: حفظهن الله، وعن مجاهد {حافظات للغيب} قال: يحفظن علي أزواجهن ما غابوا عنهن
من شأنهن [7].
ولا شك أن الحفظ هنا ليس قاصرا علي حفظ المال وحده أو
حفظ الفرج، ولكنه يشمل حفظ الأزواج في غيابهم، وحفظهم من باب أولى في حضورهم، وحفظ
الأسرار الزوجية، وحفظ الأولاد بحسن التربية وغير ذلك.
قاعدة مهمة: إذا دارت الأقوال حول معنى واحد فإنه يجمع بينها وفي ذلك يقول الإمام الشاطبي رحمه الله: "الأقوال إذا أمكن
اجتماعها والقول بجميعها من غير إخلال بمقصد القائل فلا يصح نقل الخلاف فيها عنه …فإنَّ نقل الخلاف في مسألة لا خلاف فيها في الحقيقة خطأ كما أن
نقل الوفاق في موضع الخلاف لا يصح " [8].
3. الاختلاف في عودة الضمير :
وذلك أيضا من أسباب اختلاف المفسرين ومثاله : ما ورد
في تفسير عودة الضمير في قوله تعالى] مَن كَانَ
يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ
الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ[سورة فاطر 10
فقيل يرجع إلي المولى عز وجل فهو الذي يرفع العمل
الصالح ، وقيل يرجع إلى العمل الصالح والمعنى: والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب،
وقيل يرجع إلى الكلم الطيب فهو الذي يرفع العمل الصالح.
وأقول كلاهما ينهض بصاحبه، والله عز وجل هو الذي يرفع
ويقبل.
4.أن
يكون اللفظ مشتركا في اللغة *
من أسباب الاختلاف أيضا : أن يكون اللفظ مشتركا في
اللغة له أكثر من استعمال علي الحقيقة فيحمل علي أحد الاستعمالات :
مثل لفظة
القرء يراد بها الحيض كما يراد بها الطهر قال تعالى ]
وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ
بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ …) الخ الآية {228}[سورة البقرة.
قال الشوكاني: " قال أبو عمرو بن العلاء: من العرب من يسمي الحيض قرءا ومنهم من يسمي
الطهر قرءا ومنهم من يجمعهما جميعا فيسمي الحيض مع الطهر قرءا، وينبغي أن يعلم أن
القرء في الأصل الوقت يقال هبت الرياح لقرئها ولقارئها أي لوقتها.
قواعد مهمة: قال الزركشي: "وكل
لفظ احتمل معنيين فصاعدا فهو الذي لا يجوز
لغير العلماء الاجتهاد فيه وعليهم اعتماد الشواهد والدلائل دون مجرد الرأي، فإن
كان أحد المعنيين أظهر وجب الحمل عليه إلا أن يقوم دليل على أن المراد هو الخفي، وإن
استويا والاستعمال فيهما حقيقة لكن في أحدهما حقيقة لغوية أو عرفية وفي
الآخر شرعية فالحمل على الشرعية أولى إلا أن يدل دليل على إرادة اللغوية كما في
قوله تعالى {وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم[9] }[10] ولو كان في
أحدهما عرفية والآخر لغوية فالحمل على العرفية أولى لأن الشرع ألزم، فإن
تنافى اجتماعهما ولم يمكن إرادتهما باللفظ الواحد كالقرء للحيض والطهر
اجتهد في المراد منهما بالأمارات الدالة عليه فما ظنه فهو مراد الله تعالى في حقه
وإن لم يظهر له شيء فهل يتخير في الحمل على أيهما شاء أو يأخذ بالأشد حكما أو
بالأخف أقوال، وإن لم يتنافيا وجب
الحمل عليهما عند المحققين ويكون ذلك أبلغ في الإعجاز والفصاحة إلا إن دل دليل على
إرادة أحدهما." .[11]
5.اختلاف القراءات *
فاختلاف القراءات المتواترة فيه ثراء للمعنى وتوضيح
له وتقرير . ومثال ذلك: ما ورد من
قراءات في تفسير قوله تعالى ] وقالت هيت لك [[12]حيث لجأت امرأة العزيز إلي التصريح بعد أن استفرغت جميع أساليب التلميح
ووسائل الإغراء فقالت بعبارة سافرة (هيت
لك) و(هيت) اسم فعل أمر بمعنى هلم وأقبل وفي قراءة ( هئتُ لك ) أي حسنت هيأتي من
أجلك.
* قرأ نافع وابن ذكوان عن ابن عامر، وأبو جعفر بكسر
الهاء وفتح التاء، ( هِيتَ ) وقرأ ابن كثير بفتح الهاء وضم التاء (هَيْتُ) وقرأ الباقون
بفتح الهاء وسكون التاء (هَيتْ)، وقرأ هشام - كما روي عنه إبراهيم بن عباد - هِئتُ
لك بكسر الهاء وضم التاء أي تهيأت لك، ومدار القراءات حول معنى واحد وهو : هلم
وأقبل فلقد تهيأت لك [13] .
· هذا
والمتأمل في اختلاف القراءات يجدها على النحو التالي :
الأول : أن تختلف القراءتان في اللفظ وتتفقا
في المعنى مثل (الصراط والسراط )و (يحسَب ) بفتح السين وكسرها، و(مِرفِقا)بفتح الميم وكسر الفاء والعكس، فالمعنى واحد .
والحكمة في هذا النوع من الاختلافات تيسير القراءة
على ذوي اللهجات المختلفة.
الثاني: أن
تضيف القراءة معنى جديدا لا يتعارض مع المعنى الأول ولا يناقضه فكلا المعنيين
صحيح، وذلك كما في قوله تعالى ]وَانظُرْ
إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا [ ([14]) قرئ (ننشزها و
(ننشرها ) لأن المراد في القراءتين العظام فقوله تعالى (ننشرها ) بمعنى نحييها , وقوله تعالى( ننشزها ) أي نضم
بعضها إلي بعض حتى تلتئم" ولا تناقض
بين المعنيين لأن الله تعالى إذا أراد بعث الخلائق ضم عظامهم بعضها إلى بعض ثم
يحييها للجزاء " [15]
الثالث
اختلافهما في اللفظ والمعنى مع امتناع
جواز اجتماعهما في شئ واحد، لكن يتفقان من وجه آخر لا يقتضي التضاد. مثاله قوله
تعالى ]حَتَّى إِذَا
اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا
فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ [ ([16]) قرئ بالتشديد والتخفيف في
" كُذِّبوا ", و" كذَبوا" فالتشديد :يعني: وتيقن الرسل أن
قومهم قد كذّبوهم و التخفيف يعني : وتوهم المرسل إليهم أن الرسل قد كذَبوهم - أي كذبوا
عليهم - فيما أخبروهم به فلا تعارض بين المعنيين .[17]
ومن هنا فلا
يمكن أن يكون هناك تعارض بين قراءتين متواترتين لأن كلاهما وحي من الله تعالى
وكلام الله عز وجل منزه عن التناقض والاضطراب .
6. الاختلاف في القول بالنسخ : *
فقد يقول بعض
المفسرين بالنسخ لمجرد التعارض، ولو أمعنوا النظر وأعملوا الفكر لما وجدوا تعارضا
بين النصوص يدعو إلى القول بالنسخ، فإعمال النص خير من إهماله، ولقد توسع
المتقدمون في النسخ حتى أدخلوا فيه ما ليس منه فاعتبروا التخصيص والبيان والتقييد
من قبيل النسخ .
قال ابن القيم
رحمه الله :"ومن تأمل في كلامهم – يعني المتقدمين- رأى
من ذلك فيه ما لا يحصى وذهب عنه به إشكالات أوجبها حمل كلامهم على الاصطلاح الحادث
المتأخر " [18]
مثال ذلك اختلافهم في قوله تعالى ]
وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ
لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ {219} [البقرة : فعن السدي في قوله {قل العفو}
قال: هذا نسخته الزكاة، وعن طاوس قال: العفو اليسير من كل شيء، وكان مجاهد يقول
{العفو} الصدقة المفروضة.
والراجح أنها محكمة فلا تعارض بينها وبين ما ورد في
شأن الزكاة المفروضة، لأن العفو هنا هو اليسير الزائد عن الحاجة، ولا شك أن الزكاة
لا تفرض إلا على الأغنياء ونصابها يسير وهو زائد عن حاجة الغني فلا تعارض في ذلك
بين هذه الآية والآيات الأخرى .
قال ولي الله الدهلوي في كتابه الفوز الكبير في أصول
التفسير "بلغ عدد الآيات المنسوخة بآيات السيف قرابة
الخمسمائة، ولو تأملت لوجدتها غير محصورة، والمنسوخ باصطلاح المتأخرين عدد قليل"
[19]
7.الاختلاف في حمل اللفظ علي
الحقيقة أو المجاز *
من ذلك اختلافهم في تفسير ] وَامْرَأَتُهُ
حَمَّالَةَ الْحَطَبِ [
[20]: قيل
كانت تحمل الأشواك وتنثرها أمام بيت رسول الله إيذاء له فكان جزاؤها في الآخرة من
جنس عملها في الدنيا، حيث تحمل الحطب علي ظهرها في نار جهنم لتزداد النار حرارة
والتهابا وسعيرا عليها. وقيل كانت تمشي بين الناس بالنميمة فتنمي
العداوة بينهم كما تزداد النار اشتعالا وحرارة حين يلقى الحطب فيها.
*قال القرطبي: " قال ابن عباس ومجاهد وقتادة:
(حمالة الحطب) كانت تمشي بالنميمة بين الناس، تقول العرب فلان يحطب على فلان إذا ورّش
به - أي حرّش به. "ولذلك قيل : نار الحقد لا تخبو"
8.تفاوتهم في معرفة السنة
النبوية
من ذلك أنه قد لا يبلغ الحديث أحد الصحابة ولم يكن قد
سمعه من رسول الله فيجتهد في المسألة
فيدلي برأي مخالف لما قال به النبي لكنه يتراجع عن رأيه حين يصله الحديث:
من ذلك: اختلاف بعض
الصحابة في عدة المتوفى عنها زوجها إذا وضعت الحمل هل تنقضي عدتها بوضع الحمل
فينطبق عليها قوله تعالى ]
وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن[ [الطلاق: 4].}أم تعتد بأربعة أشهر وعشرا وهي عدة المتوفي عنها
زوجها كما في قوله تعالى ]والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا
بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير[
سورة البقرة. الآية: 234. فقد رأي ابن عباس أن المتوفى عنها زوجها
إذا كانت حاملا تعتد بأبعد الأجلين. ورأي ابن مسعود أنها إذا وضعت حملها قبل تمام الأربعة أشهر وعشر فعدتها
بوضع الحمل. وفي هذا يقول : أجل الحامل أن تضع ما في بطنها.[21]
9.الاختلاف في الإطلاق
والتقييد *
ومن أسباب الاختلاف أيضا الاختلاف في الإطلاق
والتقييد؛ والإطلاق تناول
واحد غير معين، والتقييد تناول واحد معين أو موصوف بوصف زائد [22]
فقد يري بعض المفسرين بقاء المطلق على إطلاقه، وقد يقول بعضهم بتقييد هذا المطلق بقيد ما:
من ذلك عتق الرقبة في كفارة اليمين وكفارة الظهار فقد
وردت مطلقة: كما في قوله تعالى ]وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ
يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا
ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {3}[ سورة المجادلة
ووردت مقيدة
كما في قوله تعالى ] وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ
مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ
مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَي أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن
كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ
مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ
مُّسَلَّمَةٌ إِلَي أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ
فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ
عَلِيمًا حَكِيمًا [ {92}سورة
النساء } فحمل بعض المفسرين المطلق على المقيد وقالوا
لا تجزئ الرقبة الكافرة، وأبقى بعضهم المطلق على إطلاقه .
قاعدة: الأولى
بقاء المطلق على إطلاقه ما لم يرد ما يقيده، وإذا دار اللفظ بين الإطلاق والتقييد
فإنه يحمل علي الإطلاق؛ لأن الأصل بقاء الشيء على ما كان عليه.
10. الاختلاف في العموم والخصوص. *
مثال ذلك اختلافهم في تفسير قوله تعالى ] وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حتى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ
خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ
{221} [ سورة البقرة .
فمن المعلوم أن النصرانيات واليهوديات مشركات لكنهن
لا يدخلن في عموم هذه الآية بدليل قوله تعالى في سورة المائدة ]
الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ
حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ
وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا
آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي
أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي
الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [ {5}
فعن ابن عباس رضي
الله عنهما في قوله {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} قال: نسخ من ذلك نكاح نساء أهل
الكتاب أحلهن للمسلمين وحرم المسلمات على رجالهم . وعن سعيد بن جبير في
قوله {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} قال: يعني أهل الأوثان. وأخرج عبد بن
حميد عن حماد قال: سألت إبراهيم عن تزويج اليهودية والنصرانية، فقال: لا بأس به.
فقلت: أليس الله يقول {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن}؟ قال: إنما ذاك المجوسيات
وأهل الأوثان.[23] قاعدة: والأصل
بقاء العام علي عمومه ما لم يرد له مخصصا.
11. الاختلاف في فهم معاني الحروف. *
فقد يدل الحرف على أكثر من معنى : من ذلك الباء في قوله عز وجل ]وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَي الْكَعْبَين
[ سورة المائدة
6 هل هي للملاصقة أم للتبعيض ؟ فقيل
إنها للملاصقة وقيل للتبعيض والخلاف في ذلك موجود في كتب التفسير والفقه .
12. الاختلاف في أوجه الإعراب *
وهذا
أيضا من أسباب اختلافهم من ذلك: في تفسيرهم لقوله تعالى ]إن
الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل
صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون[.المائدة: 69
حيث
جاءت كلمة (الصابئون) في الآية مرفوعة وما قبلها منصوب، والتقدير إن الذين آمنوا
والذين هادوا والنصارى والصابئون كذلك قال ابن كثير :" لما طال الفصل حسن
العطف بالرفع " وقال النسفي: وفائدة
التقديم التنبيه على أن الصابئين وهم أبين هؤلاء المعدودين ضلالا وأشدهم غيا يتاب
عليهم إن صح منهم الإيمان فما الظن بغيرهم . [24]
وقيل (والصابئون ) معطوف على محل إن واسمها،
ومحلها
الرفع والتقدير إن الذين آمنوا والذين
هادوا والنصارى حكمهم كذا، والصابئون كذلك.
13. اختلافهم في
أسباب النزول :
مثال ذلك: اختلافهم في
سبب نزول قوله تعالى ] يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ
وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {1} قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ
أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ {2} وَإِذْ
أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَي بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ
وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا
نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ
الْخَبِيرُ {3} إِن تَتُوبَا إِلَي اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن
تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ {4} عَسَي رَبُّهُ إِن
طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ
مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ
وَأَبْكَارًا {5}[
حيث نزلت هذه الآيات الكريمة تعقيبا علي ما حدث في بيت النبوة، حين حرم رسول
الله علي نفسه شيئا أحله الله له وأسر بذلك إلي إحدي زوجاته وهي حفصة فنبأت به
عائشة فنزل القرآن الكريم بآيات بينات فيها عتاب لرسول الله وتوجيه لأمهات
المؤمنين رضي الله عنهن.
وهناك روايات متعددة في
أسباب نزول صدر سورة التحريم ورد في بعضها أن الآيات نزلت في قصة تحريم الرسول شرب
العسل علي نفسه وبعضها في قصة تحريمه أم إبراهيم " مارية القبطية " رضي
الله عنها علي نفسه.
يقول الإمام ابن حجر في
الفتح بعد أن أورد الروايات التي وردت في تحريم مارية :[ وهذه طرق يقوي بعضها بعضا
فيحتمل أن تكون الآية نزلت في السببين معا ] [25]
قواعد مهمة في أسباب
النزول:
من المعلوم أن أسباب النزول تنقسم باعتبار الثبوت إلى قسمين:
صحيح، وضعيف، وعلى هذا فلا
بد من مراعاة الصحة عند الترجيح بين الروايات الواردة في أسباب النزول،فيقدم
الصحيح علي الضعيف، فإذا صحت الروايات جميعا فيراعى درجات الصحة، علي سبيل المثال
نقدم ما رواه الشيخان علي ما رواه أحدهما وما رواه أحدهما علي ما رواه غيرهما،
وهكذا تراعي درجات الصحة .
كما تنقسم من حيث دلالتها
إلي قسمين
: صريح وهو ما صرح فيه الراوي بسبب النزول مثل قوله: سبب نزول هذه الآية كذا أو حدث كذا أو سئل
النبي صلي الله عليه وسلم عن كذا فأنزل الله تعالى قوله كذا، أو فأوحي الله إلى
نبيه كذا . وغير الصريح مثل أن يقول نزلت هذه الآية في كذا ونحو ذلك، فهذا
يحتمل كونه سبب نزول أو تفسيرا للآية وبيانا لما ينطبق عليه الحكم. والصريح إذا صح
إسناده مقدم على غير الصريح حتى ولو كان
أصح منه.
- ولا
يطلب لكل آية سبب نزول فليست جميع الآية منزلة علي سبب.
- وقد
يتعدد السبب والنازل واحد، أو العكس: يتعدد النازل علي سبب واحد.
- والعبرة
بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
- يراعي
الاتساق بين السبب وبين سياق الآيات.
- هذه
بعض القواعد المهمة المتعلقة بأسباب النزول، والتي من خلالها نتعامل مع اختلاف
المفسرين فنجمع بينها إن أمكن أو نرجح بينها إذا لم يمكن الجمع.
14. مراعاة السياق
وفي
ذلك يقول الإمام العز بن عبد السلام :"إذا احتمل الكلام معنيين وكان حمله
على أحدهما أوضح وأشد موافقة للسياق كان الحمل عليه أولى" . [26]
وذكر
ابن جزي في مقدمة تفسيره: أن من قواعد الترجيح أن يشهد بصحة القول سياق
الكلام ويدل عليه ما قبله أو ما بعده". [27]
نموذج
من التفسير : من ذلك ما ذكره المفسرون في تفسير قوله تعالى ]وَلاَ
تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَي التَّهْلُكَة {195[ سورة البقرة
فإن هذه الجملة
الكريمة لا يمكن فهمها مجردة من سياقها، وفي ذلك يقول الشيخ سعيد حوي رحمه الله
:"وأما النهي عن إهلاك النفس فإذا نظرنا إلي النص مجردا كان له معنى وإذا
نظرنا إليه من خلال الآية التي هو فيها أعطانا معنى آخر وإذا نظرنا إليه أنه جزء
من السياق أعطانا معنى جديدا وكل هذه المعاني مرادة وكلها قد ذكرها أئمة التفسير
عند شرح الآية فإذا نظرنا إلي النص مجردا فهمنا منه أنه نهي عن قتل أنفسنا، أي لا
تقتلوا أنفسكم بأيديكم كما يقال أهلك فلان نفسه بيده إذا تسبب في هلاكها، ويدخل في
ذلك ما إذا هاجم الكفارَ وألقى بنفسه عليهم فقتل ؟"
وإذا نظرنا إلي
هذا الأمر ووروده بعد الأمر بالإنفاق فهمنا منه أنه نهي عن ترك الإنفاق في سبيل
الله، لأنه سبب للإهلاك ويؤيد ذلك ما رواه البخاري عن حذيفة في الآية قال نزلت في
الإنفاق [28]"
.
وإذا نظرنا إلي
هذا النهي من خلال وروده بعد آيات القتال فهمنا منه أنه نهي عن ترك الجهاد.
وقد لاحظنا أن
هذه الاتجاهات الثلاثة الرئيسية في فهم هذا النص، سببها ملاحظة النص مجردا، أو
السياق القريب، أو السياق العام وهذا من أبرز الأمثلة الدالة علي أن القرآن لا
تتناهي معانيه [29]
15. اختلافهم بسبب حمل الكلام علي التقديم والتأخير *
المراد
بالتقديم والتأخير: "جعل اللفظ في رتبة قبل رتبته الأصلية أو
بعدها لعارض اختصاص أو أهمية أو ضرورة ". [30]
والقاعدة تقول:
إن الأصل بقاء الكلام علي ترتيبه المتبادر من ظاهر النص، فلا نقول بالتقديم
والتأخير إلا بقرينة تقرر ذلك.
مثال
لهذا النوع من الاختلاف : قوله تعالى
في سورة البقرة ]وَإِذْ
قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ
تَكْتُمُونَ {72} [
هل
هو سابق لقوله تعالى ]وَإِذْ قَالَ
مُوسَي لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ
أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ
{67} [
قيل:
هو مقدم في التلاوة، مؤخر في المعنى على قوله تعالى( وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً
فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ {72}) لأن أمر
موسى لقومه بأن يذبحوا بقرة كان في الترتيب الزمني بعد قصة القتل المذكورة في
الآية الثانية.
قال
الشوكاني رحمه الله: ويجوز أن يكون ترتيب نزولها على حسب تلاوتها، فكأن الله أمرهم
بذبح البقرة حتى ذبحوها، ثم وقع ما وقع من أمر القتل فأمروه أن يضربوه ببعضها، ثم
علق بقوله: هذا على فرض أن الواو تقتضي الترتيب، وقد تقرر في علم العربية أنها
لمجرد الجمع من دون ترتيب ولا معية. ([31])
16. تنوع ثقافة كل مفسر
كذلك من أسباب
اختلاف المفسرين: تنوع ثقافة كل مفسر وما لديه
من علوم ومعطيات وما يستجد في عصره من قضايا. لنتأمل في جانب من جوانب الإعجاز القرآني في إثباته
لحقائق علمية لم تظهر إلى في زماننا هذا في نهاية سنة 1998م بث إذاعة لندن [القسم العربي
بهيئة الإذاعة البريطانية] خبرا هاما وهو عن أهم اكتشاف في هذا العام حيث توصل
علماء الفلك إلي أن الكون يزداد ويتسع وهذا الخبر ليس جديدا حيث يقول الله تعالى
في سورة الذاريات ] وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ {47}[
ولكن هل فطن المفسرون المتقدمون إلى ذلك؟
قواعد مهمة في التعامل
مع اختلاف المفسرين:
ينبغي على المفسر في تعامله مع هذا النوع من الاختلاف
أن يعتمد على قواعد الترجيح، والتي منها:
مراعاة النظرة
الكلية الشاملة للآيات، ومراعاة السياق، وأن الأصل عودة الضمير على أقرب
مذكور سابق، وأن الأصل هو الأخذ بظاهر النص فالأصل هو إجراء الكلام على
معناه الظاهر، فلا نلجأ إلى القول بالمجاز إلا بقرينة تمنع من استعمال
المعنى الحقيقي، وأن الأصل بقاء العام على عمومه ما لم يرد ما يخصصه، وبقاء
المطلق على إطلاقه ما لم يرد ما يقيده، وأن إعمال النص خير من إهماله
وعليه فلا نلجأ للنسخ إلا عند التعارض الشديد، وأن الأصل بقاء النظم القرآني
على نسقه وترتيبه، والاستفادة من تنوع القراءات المتواترة في إثراء المعنى
فلا نرجح قراءة متواترة علي قراءة أخري متواترة ، ولا يجوز رد القراءة المتواترة،
ولا تضعيفها، وينبغي أن يجتهد المفسر في التوفيق بين الأقوال حيث لا تعارض
بينها، وأن يراعي في تفسيره مقتضيات العصر ومستجداته ومعطياته العلمية .
أما ما ورد من أقوال مختلفة في التفسير لا يمكن الجمع
بينها بوجه من الوجوه: فسبيلنا فيها: أن
ننظر في صحة تلك الآراء المتناقضة فنقدم الصحيح علي الضعيف، ويقدم تفسير الصحابة
علي تفسير التابعين، فإن كان الخلاف في تفسير الصحابة ينظر في الأمر: فإن كان
للصحابي الواحد قولان متناقضان ينظر في المتأخر منهما فيعتمد لأنه يدل علي تراجعه
عن رأيه القديم، فقد يرى رأيا ثم يثبت له بعد ذلك ضعفه، وإن خالف الصحابي
الواحد سائر الصحابة يقدم رأي جمهور الصحابة علي رأي الواحد منهم، وإن خالف
رأيُ صحابي رأيَ صحابي آخر يقدم رأي أرسخهما قدما في التفسير كابن عباس رضي
الله عنهما وهذا ما ذهب إليه الزركشي لأن
الرسول دعا لابن عباس فقال "اللهم
فقهه في الدين وعلمه التأويل".[32].
أما إذا تعارض التفسير بالرأي مع التفسير النبوي ولم
يمكن التوفيق بينهما: فيقدم التفسير النبوي
لأنه لا اجتهاد مع نص، وكذا إذا تعارض التفسير بالرأي مع ما ثبت من أقوال
الصحابة " لأن ما يصح نسبته إلى الصحابة في التفسير النفس إليه أميل ؛
لاحتمال سماعه من الرسول، ولما امتازوا به من الفهم الصحيح والعمل الصالح ولما
اختصوا به من معاينة أسباب التنزيل ، لكن
إذا تعارض التفسير بالرأي مع تفسير التابعي ينظر في المسألة فإن كان التابعي
مما لم يعرف بالأخذ عن أهل الكتاب أو كان التفسير في ما فيه مجال للرأي فحينئذ
نلجأ للترجيح بين التفسير بالرأي وقول التابعي إلا إذا كان إجماعا للتابعين فإنه
يقدم علي التفسير بالرأي وذلك كله بشرط وجود التعارض الحقيقي أما إذا تيسر الجمع
بين المعقول والمنقول فلا نلجأ إلي الترجيح .
ومن
الأمور التي ينبغي على المفسر تجنبها : ومن الأمور المهمة التي لا غنى للمفسر عنها
تجنبا للوقوع في الخلاف المذموم:
سلامة الاعتقاد: بأن يلزم منهج أهل السنة
والجماعة ويستمسك بالكتاب والسنة، وأن يكون على بصيرة من أمره، فقد ينقل بحسن نية من تفاسير الفرق الضالة فيقع
فيما وقعوا فيه من أخطاء، فإن أصحاب الفرق الضالة خاضوا غمار التفسير لمناصرة
أهوائهم، فتأولوا النصوص وأنكروا الأحاديث الصحيحة التي تخالف معتقداتهم .
التجرد من الهوى: فينبغي للمفسر
أن ينشد الحق وأن يسعى إلى بيانه، ودعوة
الناس إليه، ولا يركن إلى أهل البدع والأهواء، وإنما ينصر الحق ويؤيده، وأن يتجنب
تفسيرات الفرق الضالة وأن يكون منها على حذر، وأن يكشف عما فيها من زيف وضلال،
معرفة الدخيل في التفسير لتجنبه
كالإسرائيليات والموضوعات وبدع المفسرين
وأخطاء بعضهم وآراء أهل الفرق الضالة .
تفويض العلم إلى الله تعالى وأن لا يجتهد
فيما فيه نص، وأن لا يرجح بدون دليل، وأن لا يخوض فيما استأثر الله بعلمه، ولا فيما لا مجال فيه للرأي .
تحري الصدق والدقة في النقل: فلا بد من
التثبت في الرواية والتحري في النقل والدقة في الكتابة حتى لا يقع في التصحيف أو
اللحن، أو ينقل الروايات الواهية بدون تعقيب عليها وأن يقدر الأمانة ويستشعر
المسئولية.
هذا هو، وصلى
الله على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.
الطالب: عثمان
سنغاري
الفصل الثالث
العالي المعمق
[3] - الاتقان2/38
[4] - سورة
الإسراء 59
[5]- الإتقان 2/31
[6] - نفس
المرجع 5 / 153
[7] - الدر
المنثور 2 / 151،152 وزاد المسير 2 / 74
[9] - سورة التوبة
: 103
[10] - فالصلاة هنا
تحمل على معناها اللغوي وهو : الدعاء
[11] - البرهان في
علوم القرآن 2 /166، 167
[13] -يراجع : إتحاف فضلاء البشر 2/ 143، 144 والنشر
فى القراءات العشر 2/ 293 0
[14] - سورة البقرة
: 259
[16] -سورة يوسف :
110
[21] - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 3/ 116، 117
[23] - الدر المنثور 1 / 256
[25] - يراجع الفتح
8 / 525 0
[32] -الحديث
رواه
الشيخان البخاري في صحيحه 4 - كتاب
الوضوء.- 10 - باب: وضع الماء عند الخلاء. الحديث رقم: 143 - ومسلم في صحيحه -ك / فضائل الصحابة، باب:
فضائل عبد الله بن عباس رضي الله عنه، رقم: 2477
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire