dimanche 5 avril 2015

تلخيص المقررمن كتاب النكاح في الاستذكار

(3) باب ما جاء في الصداق والحباء (16/ 63)
1069 - مالك، عن أبي حازم بن دينار، عن سهل بن سعد الساعدي؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاءته امرأة فقالت: يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك. فقامت قياما طويلا. فقام رجل، فقال: يا رسول الله زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "هل عندك من شيء تصدقها إياه؟" فقال: ما عندي إلا إزاري هذا. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "إن أعطيتها إياه، جلست لا إزار لك. فالتمس شيئا" فقال: ما أجد شيئا. قال: "التمس ولو خاتما من حديد" فالتمس فلم يجد شيئا. فقال له رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "هل معك من القرآن من شيء؟" فقال: نعم. معي سورة كذا، وسورة كذا، لسور سماها. فقال له رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "قد أنكحتكها بما معك من القرآن" (16/ 64)
مسألة/ حكم الصداق
الادلة:
أولا: نص القرآن. قال الله عز وجل (خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم) الأحزاب 50، والموهوبة بلا صداق خص بها النبي صلى الله عليه وسلم يعني من الصداق، فلا بد لكل مسلم من صداق قل أو كثر على حسب ما للعلماء في ذلك من التحديد في قليله دون كثيره فإنهم لم يختلفوا في الكثير منه لقول الله عز وجل (وآتيتم إحداهن قنطارا) النساء 20؛
قال الله -عز وجل- (والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا ءاتيتموهن أجورهن) المائدة 5 يعني مهورهن؛  
وقال في الإماء (فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف) النساء 25 يعني صدقاتهن.
ثانيا: تخصيص القياس؛ وهو أن القياس يقتضي أن كل ما يجوز بيعه، والبدل منه، والمعاوضة عليه جازت هبته، إلا أن الله – عز وجل- خص النساء بالمهور المعلومات ثمنا لأبضاعهن، قال تعالى: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) النساء4
ثالثا: الإجماع؛ حيث أجمع علماء المسلمين أنه لا يجوز لأحد أن يطأ فرجا وهب له دون رقبته وأنه لا يجوز له وطء في نكاح بغير صداق مسمى دينا أو نقدا وأن المفوض إليه لا يدخل حتى يسمي صداقا فإن وقع الدخول في ذلك لزم فيه صداق المثل.
رابعا: قول ثلة من التابعين؛ لم تحل الموهوبة لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولو أصدقها سوطا حلت له

فرع/ النكاح بلفظ الهبة
مثل/ أن يقول الرجل قد وهبت لك ابنتي أو وليتي وسمى صداقا أو لم يسم، وهو يريد بذلك النكاح.
في المسألة ثلاثة أقوال:
القول الأول: قال الشافعي لا يحل الصداق بهبته بلفظ الهبة ولا ينعقد النكاح حتى يقول قد أنكحتك أو زوجتك.  وهو قول سعيد بن المسيب وربيعة قالا لا يجوز النكاح بلفظ الهبة، وهو قول المغيرة، وابن دينار، وابن أبي سلمة. وهو قول أبي ثوري، وداود، وغيرهم.
أصحاب هذا القول، نظروا إلى اللفظ دون اعتبار المعنى.
القول الثاني: اختلف في ذلك أصحاب مالك واختلفت الرواية عنه في ذلك على قولين: أحدهما أن النكاح ينعقد بلفظ الهبة إذا أرادوا النكاح وفرضوا الصداق والثاني كقول الشافعي وربيعة.
إن مالكا وأصحابه نظروا إلى المعنى دون اللفظ.
واستدل مالك على ما قاله بالقياس، حيث قال: من قال: أهب لك هذه السلعة على أن تعطيني كذا وكذا فهو بيع.
                وقال بن القاسم عن مالك لا تحل الهبة لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم. فهذا ما يسمى بالتخريج، لأن قاسم لم يحفظ عن مالك قولا في المسألة، ولكن له ما يشبهه في العقد، فقاس عليه.
القول الثالث: قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي: ينعقد النكاح بلفظ الهبة إذا شهد عليه ولها المهر المسمى إن كان سمى، وإن لم يسم لها مهر مثلها.
 استدل الحنفية بالقياس حيث قالوا إن الطلاق يقع بالتصريح وبالكناية قالوا فكذلك النكاح. قالوا والذي خص به رسول الله صلى الله عليه وسلم تعري البضع من العوض، لا النكاح بلفظ الهبة.
وقد أبطل أبو عمر هذا الاحتجاج بقوله: ومن جهة النظر النكاح مفتقر إلى التصريح ليقع الإشهاد عليه وهو ضد الطلاق فكيف يقاس عليه.
فرع/ مقدار الصداق:
اختلفوا في مقدار مبلغ الصداق الذي لا يجوز عقد النكاح بدونه إلى ثلاثة أقوال:
القول الأول: قال المالكية: لا أرى أن تنكح المرأة بأقل من ربع دينار وذلك أدنى ما يجب فيه القطع.
ودليلهم: أن المهر وجب في الزواج إظهارا لكرامة المرأة ومكانتها، فلا يقل عن هذا المقدار الذي هو نصاب السرقة عندهم، مما يدل على خطرة، فلو تزوج رجل امرأة بأقل من هذا المقدار، وجب لها إن دخل بها، وإن لم يدخل بها قيل له: إما أن تتم المهر أو تفسخ العقد.
القول الثاني: قال الحنفية: لا يجوز المهر أقل من عشرة دراهم كيلا.
دليهم: الحديث: (لا مهر أقل من عشرة دراهم).
القياس: واحتجوا لما ذهبوا إليه من ذلك بأن البضع عضو مستباح ببدل من المال فلا بد أن يكون مقدرا قياسا على قطع اليد.
مفهوم النص: واحتجوا أيضا بأن الله عز و جل - لما شرط عدم الطول في نكاح الإماء وأباحه لمن لم يجد طولا دل على أن الطول لا يجده كل الناس ولو كان الفلس والدانق والقبضة من الشعير ونحو ذلك طولا لما عدمه أحد.
ومعلوم أن الطول في معنى هذه الآية المال ولا يقع اسم مال عندهم على أقل من ثلاثة دراهم فوجب أن يمنع من استباحة الفروج باليسير الذي لا يكون طولا.
استدلوا بالقياس؛ حيث قاسوا الأقل على نصاب السرقة، وهو ما تقطع به يد السارق فإنه عندهم دينا أو عشرة دراهم، إظهارا لمكانة المرأة، فيقدر المهر بماله أهمية.
وأما حديث: (التمس ولو خاتما من حديد) فحملوه على المهر المعجل، لأن العادة عندهم تعجيل بعض المهر قبل الدخول، وقد منع النبي عليا أن يدخل بفاطمة حتى يعطيها شيئا، فقال: يا رسول الله، ليس لي شيء، فقال أعطها درعك، فأعطاها درعه.
قال أبو عمر: هذا كله ليس بشيء لأنهم لا يفرقون في مبلغ أقل الصداق بين صداق الحرة والأمة والله أعلم.
وإنما شرط الطول في نكاح الحرائر دون الإماء وهم لا يجيزون نكاح الأمة بأقل من ربع دينار كما لا يجيزون نكاح الحرة بأقل من ربع دينار.
وأما القياس على قطع اليد فقد عارضهم مخالفوهم بقياس مثله أذكره بعد -إن شاء الله - عز و جل .
وأما حجة الكوفيين بحديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((لا صداق بأقل من عشرة دراهم)) فلا معنى لها لأنه حديث لا يثبته أحد من أهل العلم بالحديث.
وما رووه عن علي -رضي الله عنه -أنه قال لا صداق أقل من عشرة دراهم فإنما يرويه جابر الجعفي عن الشعبي عن علي، وهو منقطع، ضعيف.
القول الثالث: قال الشافعي والحنابلة وثلة من التابعين: لا حد في مبلغ الصداق، ويجوز بما تراضوا عليه من المال. ولا تتقدر صحة الصداق بشيء، فصح كون المهر مالا قليلا أو كثيرا، وضابطه: كل ما صح كونه مبيعا أي له قيمة صح كونه صداقا، وما لا فلا، ما لم ينته إلى حد لا يتمول، فإن عقد بما لا يتمول ولا يقابل بما يتمول كالنواة والحصاة، فسدت التسمية ووجب مهر المثل.
دليلهم: الكتاب: قال تعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم) فالله لم يقدره بشيء، فيعمل به على إطلاقه.
الحديث: روى عامر بن ربيعة أن امرأة من فزارة تزوجت على نعلين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رضيت من مالك ونفسك بنعلين؟ قالت: نعم، فأجازه) وأخرج أبو داود عن جابر مرفوعا: (لو أن رجلا أعطى امرأة صداقا ملء يده طعاما، كانت له حلالا).
العقل: إن المهر حق المرأة، شرعه الله إظهارا لمكانتها، فيكون تقديره برضا الطرفين، ولأن المهر بدل الاستمتاع بالمرأة، فكان تقدير العوض إليها كأجرة منافعها.
فرع/ ما تملكه المرأة من الصداق قبل الدخول
فالظاهر من مذهب مالك أنها لا تملك منه قبل الدخول بها إلا نصفه، وأن الصداق إذا كان شيئا بعينه فهلك ثم طلق قبل الدخول لم يكن لها عليه شيء ولا له عليها؛
وقال طائفة من أصحاب مالك: ولو سلم الصداق وطلق قبل الدخول أخذ نصفه ناقصا أو ناميا والتمام والنقصان بينهما. وقد روي عن مالك وطائفة من أصحابه: أن المرأة تستحق المهر كله بالعقد.
 واستدل القائلون بذلك:
القياس: بالموت قبل الدخول وأنه يستحق به الصداق كله.
القياس: وكذلك وجوب الزكاة في الماشية إذا كانت بعينها ولا يقال للزوج أد الزكاة عنها وبذلك تدخل بامرأتك.
ولو كانت بينهما لم يجب عليها في أربعين شاة أو خمسٍ ذَودٍ إلا نصف شاة، فلما أوجب عليها شاة علم أنها كلها على ملكها.
وبهذا القول قال الشافعي وأصحابه واعتلوا بما يلي:
بالإجماع: على أن الصداق إذا قبضته المرأة أو كان معينا في غير ذمة الزوج، وهلك قبل الدخول كان منها، وكان له أن يدخل بها بغير شيء.
واعتلوا أيضا بأن الصداق لو كان أباها عُتِق عليها عقيب العقد ولم ينظر الدخول.
فرع/ جواز اتِّخاذ الخاتم من الحديد.
المذهب الأول: فكرهه قوم منهم عبد الله بن مسعود وبن عمر.
دليلهم: فعل النبي: وروى بن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن خاتم الذهب والحديد.
قول النبي: ومن حديث بريدة الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى على رجل خاتما من حديد فقال له ((مالي أرى عليك حلية أهل النار))
المذهب الثاني: ومن لم يصح هذه الآثار فقال الأشياء على الإباحة حتى يصح الحظر وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((التمس ولو خاتما من حديد)) فدل على جواز استعماله والانتفاع.

فرع/ جواز كون تعليم القرآن مهرا.
في هذا الحديث - أيضا - دليل على أن تعليم القرآن جائز أن يكون مهرا لأنه قال للرجل ((التمس ولو خاتما من حديد)) فلما لم يقدر عليه قال له ((هل معك من القرآن شيء فذكر له سورا فقال ((قد زوجتكها على ما معك من القرآن)).
وهذا موضع اختلف فيه الفقهاء:
فقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما: لا يكون تعليم القرآن مهرا.
وحجتهم: مفهوم النص: أن الفروج لا تستباح إلا بالأموال لذكر الله تعالى الطول في النكاح؛ والطول: المال والقرآن ليس بمال؛ لأن التعليم يختلف ولا يكاد يضبط فأشبه الشيء المجهول.
ومعنى قوله ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((قد أنكحتك على ما معك من القرآن)) إنما هو على جهة التعظيم للقرآن وأهله لا على أنه مهر وإنما زوجه إياها لكونه من أهل القرآن كما روي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج أبا طلحة أم سليم على إسلامه لأنه أسلم فتزوجها.
وقال الشافعي وأصحابه: جائز أن يكون تعليم القرآن أو سورة منه مهرا. فإن طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف أجر التعليم. وروى عنه الربيع في ((الموطأ إنه إن طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف مهر مثلها لأن تعليم النصف لا يوقف على حد.
وكان أحمد يكرهه.
ومن الحجة للشافعي: القياس: أن تعليم القرآن يصح أخذ الأجرة عليه فجاز أن يكون صداقا.
قالوا ولا معنى لما اعترضوا عليه من دفع ظاهر الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم ((قد زوجتكها بما معك من القرآن)) لأن ظاهر الحديث وساقته يبطل تأويله لأنه التمس فيه الصداق بالإزار وخاتم الحديد ثم تعليم القرآن ولا فائدة لذكر القرآن في الصداق غير ذلك.
فرع/ جواز التزويج على الخدمة.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: فيمن تزوج على خدمة سنة إن كان عبدا فلها خدمته سنة، وإن كان حرا فلها مهر مثلها.
وقال الشافعي: النكاح جائز على الخدمة إذا كان وقتا معلوما؛ وكذلك كل عمل مسمى معلوم مثل أن يعلمها قرآنا أو يعلم لها عبدا عملا.
فرع/ جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن
ذهب مالك والشافعي وأبو ثور وأحمد وداود: إلى جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن وأخذ البدل على الوفاء به ونحو ذلك. لأنه إذا جاز أن يكون مهرا جاز أن يؤخذ عليه العوض في كل ما ينتفع به منه.
ومن حجتهم في ذلك: حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية فنزلوا بحي، فسألوهم الكراء أو الشراء فلم يفعلوا، فلُدغ سيد الحي، فقال لهم هل فيكم من راق؟ فقالوا: لا، حتى تجعل لنا على ذلك جعلا، فجعلوا لهم قطيعا من غنم، فأتاهم رجل منهم، فقرأ عليه فاتحة الكتاب، فبرأ، فذبحوا، وشووا، وأكلوا، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا ذلك له، فقال: ((ومن أين علمتم أنها رقية من أخذ برقية باطل فقد أخذتم برقية حق اضربوا لي معكم بسهم)) ورواه أبو المتوكل الناجي وسليمان بن قتة وأبو نضرة كلهم عن أبي سعيد الخدري.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يجوز أن يؤخذ على تعليم القرآن أجر، على كل من يسأل منه شيئا يقرأه وأن يعلمه لمن سأله إلا أن يضر ذلك به ويشغله عن معيشته.
واعتلوا بأحاديث مرفوعة كلها ضعيفة. منها حديث علي بن عاصم عن حماد بن سلمة عن أبي جرهم عن أبي هريرة قال: قلت يا رسول الله! ما تقول في المعلمين؟ قال: ((درهمهم حرام وقولهم سحت وكلامهم ربا)) وهذا حديث منكر.
وحديث المغيرة بن زياد عن عبادة بن نسي عن الأسود بن ثعلبة عن عبادة بن الصامت أنه علم رجلا من أهل الصفة سورة من القرآن فأهدى إليه قوسا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إن سرك أن يطوقك الله به طوقا من نار فاقبله)).
ومن حديث بن شبل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((اقرأوا القرآن ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به)).

فرع/ المصلى بالناس مكتوبة بأجرة.
روى أشهب عن مالك أنه سئل عن الصلاة خلف من يستأجر في رمضان يقوم بالناس، فقال: أرجو ألا يكون به بأس وإن كان به بأس فعليه لا على من صلى خلفه.
وروى عنه بن القاسم أنه كرهه، قال وهو أشد كراهة له في الفريضة وهو قول أبي حنيفة وأصحابه.
وحجتهم: حديث عثمان بن أبي العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا. وهذا هو القياس الأولى.
وقال الشافعي: لا بأس بأخذ الأجرة على الإمامة في الصلاة النافلة والمكتوبة ولا بأس بالصلاة خلفه.
وقال أصحاب الشافعي: أولى ما تؤخذ عليه الأجرة أعمال البر، وعمل الخير، إذا لم يلزم المرء القيام بها لنفسه كمراقبة شهود الجماعة، والتزام الإمامة، والأذان للصلاة، وتعليم القرآن، وما كان مثل ذلك.

العيوب التي فيها الرد.(16/ 91)
1070 - مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب ؛ أنه قال. قال عمر بن الخطاب: أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون، أو جذام، أو برص، فمسها، فلها صداقها كاملا، وذلك لزوجها غرم على وليها.
قال مالك وإنما يكون ذلك غرما على وليها لزوجها إذا كان وليها الذي أنكحها هو أبوها أو أخوها أو من يرى أنه يعلم ذلك منها فأما إذا كان وليها الذي أنكحها بن عم أو مولى أو من العشيرة ممن يرى أنه لا يعلم ذلك منها فليس عليه غرم وترد تلك المرأة ما أخذته من صداقها ويترك لها قدر ما تستحل به.
قال ابن عبد البر : هذه المسالة اختلف فيها السلف والخلف.
فعند المالكية: يفسد النكاح من أي واحد من الزوجين إذا وجد في الآخر عيبا منفرا من جنون، أو جذام، أو برص.
قال أبو عمر تحصيل مذهب مالك أنه لا ترد الزوجة بغير العيوب الثلاثة التي جاءت منصوصة عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وترد من كل داء يمنع من الجماع لأنه الغرض المقصود للنكاح ولأن العيوب الثلاثة المنصوصة عن عمر تمنع من طلب التناسل وهو معنى النكاح .
زاد بن القاسم أنه إذا اشترط الناكح السلامة ردت من كل عيب - قياسا على قول مالك فيمن اشترط النسب فخرجت بغية
من حجتهم: قول عمر الذي مر ذكره آنفا. وما روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في هذه المسألة إنه إن مسها لم يكن له صرفها وهي امرأته إن شاء طلق أو أمسك، وإن علم قبل أن يمس كان له الفسخ ولا شيء عليه فخالف عمر رضي الله عنهما في غرم الصداق لأن الزوج قد لزمه الصداق بالمسيس وهو قياس السنة في قوله في النكاح بغير ولي وقد نهى عنه ( ( فإن دخل بها فلها مهرها بما استحل منها))
وقال الحنفية: لا فسخ للزواج إذا كان بالزوجة جنون، أو جذام، أو برص، أو رتق، أو قرن.
وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي {لا يفسخ النكاح بعيب المرأة وكذلك إن كان عيب الرجل لم يفسخ أيضا}
قال أبو عمر: حجة هؤلاء الذين لا يرون رد زوجة بعيب القياس على الإجماع لأنهم لما اجمعوا على أن النكاح لا ترد فيه المرأة بعيب صغير خلاف البيوع كان كذلك العيب الكبير.
وقال الشافعي: ترد المرأة من الجنون والجذام والبرص والقرن فإن كان قبل الدخول فلا شيء لها وإن كان بعد الدخول فلها مهر مثلها بالمسيس ولا يرجع به عليها ولا على وليها.
حجة الشافعي: ومن قال بقوله -أنه لا يرجع عليها بعد المسيس بشيء من مهرها ولا لوليها علم أو لم يعلم-: قوله صلى الله عليه وسلم ((أيما امرأة نكحت بغير ولي فنكاحها باطل)) ثم قال فإن دخل بها فلها المهر مما استحل بها فإذا كان المسيس في النكاح الباطل يوجب لها المهر كله، كان أحرى أن يجب لها ذلك بالنكاح الصحيح الذي لو شاء أن يقيم عليه ويرضى بالعيب كان ذلك له.
وقال الحنابلة: يفسخ النكاح بالعيوب التناسلية أو العيوب المنفرة. أو العيوب المستعصية كالسل والسيلان والزهري والإيدز ونحوها مما يعرف عن طريق أهل الخبرة، وكذلك الجنون، والجذام، والبرص.
ملاحظة: قال أبو عمر إن استحقت المرأة المهر بالمسيس فالقياس ألا يكون على الولي شيء علم أو لم يعلم، لأن الزوج قد اعتاض من مهره المسيس فكيف يكون له عوض آخر.
 (مسألة التفويض والموت فيه قبل الدخول) (16/ 101)
1071 - مالك، عن نافع ؛ أن ابنة عبيد الله بن عمر، وأمها بنت زيد بن الخطاب، كانت تحت ابن لعبد الله بن عمر. فمات ولم يدخل بها. ولم يسم لها صداقا. فابتغت أمها صداقها، فقال عبد الله بن عمر: ليس لها صداق. ولو كان لها صداق لم نمسكه، ولم نظلمها. فأبت أمها أن تقبل ذلك. فجعلوا بينهم زيد بن ثابت. فقضى أن لا صداق لها. ولها الميراث. (16/ 103)
أولا: التفويض هو: أحد حالات وجوب مهر المثل للزوجة، وهو أن يكون العقد صحيحا، ولكن بدون تسمية المهر، وتسمى المرأة مفوّض – بكسر الواو أو فتحها- ففي حالة الكسر: ينسب التفويض إلى المرأة، أي التي فوضت تقدير المهر إلى الزوج. وفي حالة الفتح: ينسب الفعل إلى الولي، فتكون المرأة قد فوض أمرها إلى الزوج. ويمسى العقد عقد التفويض. (في حاشية ص/ 102)
مسألة/ اختلاف الصحابة في نكاح التفويض. ص/103
·        قال أبو عمر اختلف في هذه المسألة الصحابة ومن بعدهم إلا أن أكثر الصحابة على ما قاله بن عمر وزيد بن ثابت.
·        وأما بن مسعود فكان يقول لها صداق مثلها ولها الميراث وعليها العدة.
وقال فيه –أي في قضاء ابن مسعود- بن مهدي عن الثوري عن فراس عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله فقال معقل بن يسار شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في بروع بنت واشق –الأشجعية- بمثل ذلك.
فنلخص: جل الصحابة قالوا بعدم استحقاقها للصداق لكن لها الميراث وعليها العدة إلا ابن مسعود فقد ذهب الى ان لها كل الحقوق وعليها كل الواجبات.
قال أبو عمر الصواب عندي في هذا الخبر قول من قال معقل بن سنان لأن معقل بن سنان رجل من أشجع مشهور في الصحابة، وأما معقل بن يسار فإنه - وإن كان مشهورا أيضا في الصحابة - فإنه رجل من بني مزينة، وهذا الحديث إنما جاء في امرأة من أشجع لا من مزينة، ومعقل بن سنان قتل يوم الحرة.
فقال الشاعر في يوم الحرة: (ألا تلكم الأنصار تبكي سراتها ... وأشجع تبكي معقل بن سنان)

فرع/ اختلاف التابعين في نكاح التفويض ص/ 108
قال أبو عمر اختلف التابعون على هذين القولين: وأهل الحجاز على قول علي وزيد وبن عمر.

فرع/ اختلاف الفقهاء  -أئمة الفتوى- في نكاح التفويض ص/ 108
وأما اختلاف الفقهاء - أئمة الفتوى:
فالقول الأول: قال مالك والأوزاعي والليث والشافعي في رواية المزني: لا مهر لها ولا متعة ولها الميراث وعليها العدة. وهو قول بن شهاب. استدل هؤلاء بالقياس على البيع.
القول الثاني: قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي والشافعي في رواية البويطي: لها مهر مثلها والميراث وعليها عدة الوفاة. وهو قول أحمد بن حنبل وإسحاق وأبي ثور وداود والطبري.
استدلوا: بقضاء النبي –صلى الله عليه وسلم- في بَرْوعَ بنت واشق. وفي ذلك يقول الشافعي في المفوض إليه إن مات قبل أن يسمي مهرا إن ثبت حديث بروع، ولا حجة في قول أحد مع السنة، وإن لم يثبت فلا مهر لها ولها الميراث.

مسألة/ هل يملك الولي مع المرأة شيئا من صداقها؟ (16/ 109)
1072 - مالك؛ أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز كتب في خلافته إلى بعض عماله أن كل ما اشترط المنكح، من كان أبا أو غيره، من حباء أو كرامة. فهو للمرأة إن ابتغته. (16/ 109)
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة:
من النص نفهم أن مالكا لا يجعل للولي شيئا مع ابنته في الصداق. مستندلا بفتوى عمر بن عبد العزيز.
وقال بن القاسم عن مالك ما في ((الموطأ)) وزاد: إن كان الأب اشترط في حين عقد نكاحه حباء يحبى به فهو لابنته وإن أعطاه بعد ما زوجه فإنها تكرمة أكرمه بها فلا شيء لابنته فيه. هذا اختيار الأوزاعي. ص/111
دليل ابن القاسم ومن انضم إليه: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه وأحق من أكرم الرجل عليه ابنته وأخته)). في هذا الباب، هذا ما هو أولى لمن ذَهب إليه، واَعتمد عليه.
واستدلوا كذلك بفعل مسروق، حيث اشترط على زوج ابنته عشرة آلاف درهم سوى المهر.
وقال الشافعي في كتاب المزني: إذا عقد النكاح بألف على أن لأبيها ألفا فالمهر فاسد ولو قال على ألف وعلى أن تعطي أباها جاز وله منعه لأنها هبة لم تقبض.
وقال في كتاب البويطي: إذا زوجها على أن لأبيها ألفا سوى الألف الذي فرض لها فسواء قبض الألف أو لم يقبض المهر فاسد ولها مهر مثلها.
وعند أبي حنيفة: هي هبة لا مرجع فيها إلا كما يرجع في الهبة.
استدلوا بحديث الرجوع في الهبة كرجوع الكلب في قيئه.
مسألة/ الصداق على من؟ إذا كان الزوج صغير؟
قال مالك: في الرجل يزوج ابنه صغيرا لا مال له «إن الصداق على أبيه، إذا كان الغلام يوم تزوج لا مال له، وإن كان للغلام مال فالصداق في مال الغلام، إلا أن يسمي الأب أن الصداق عليه، وذلك النكاح ثابت على الابن إذا كان صغيرا وكان في ولاية أبيه» ص/ 113
أولا، محل الاتفاق: قال أبو عمر لم يختلف مالك وأصحابه في الأب يزوج ابنه الصغير وله مال أن الصداق الذي يسميه أبوه في مال الغلام لا في مال الأب، وسواء سكت عن ذلك أو ذكره إلا أن يضمنه الأب وبين ذلك بأن ضمنه وبين ذلك لزمه إذا حمل عن ابنه وجعله على نفسه.
ثانيا، محل الاختلاف: واختلفوا إذا لم يكن للابن مال:
فقال بن القاسم: إذا لم يكن للابن مال فالصداق على الأب ولا ينفعه أن يجعله على الابن.
وقال أصبغ: أراه على الابن كما جعله.
وقال بن المواز: هو على الأب إلا أن يوضح ذلك ويبينه أنه على الابن فلا يلزم الأب ويكون الابن بالخيار إذا بلغ فإذا دخل لم يكن عليه إلا صداق المثل.
قال أبو عمر لا معنى لصداق المثل ها هنا لأن المسمى معلوم جائز ملكه.
فرع/ ضمان الصداق على من؟
وقال الشافعي في البويطي: إذا زوج ابنه الصغير وضمن عنه الصداق وغرمه لم يرجع به عليه وليس على الابن منه شيء وإذا جعله الأب على نفسه. قال وإن ضمن عن ابنه الكبير المهر رجع به عليه إن كان أمره الكبير بالضمان عنه وإلا لم يرجع عليه بشيء لأنه متطوع.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إذا زوج ابنه الصغير وضمن عنه المهر جاز وللمرأة المهر عليه وعلى الابن فإن أداه الأب لم يرجع على الابن بشيء إلا أن يشهد أنه إنما يرديه ليرجع به فيرجع فإن لم يؤده الأب حتى مات فللمرأة أن تأخذه من مال الأب - إن شاءت وإن شاءت أتبعت الابن وإن أخذته من مال الأب رجع ورثة الأب على الابن يخصصهم.
وذكر عبد الرزاق عن الثوري قال لا يؤخذ الأب بصداق ابنه إذا زوجه فمات صغيرا إلا أن يكون الأب كفل بشيء.

مسألة/ العفو عن نص الصداق في الطلاق قبل الدخول.
قال مالك: في طلاق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها، وهي بكر فيعفو أبوها عن نصف الصداق «إن ذلك جائز لزوجها من أبيها فيما وضع عنه» قال مالك: " وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه {إلا أن يعفون} [البقرة: 237] فهن النساء اللاتي قد دخل بهن {أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} [البقرة: 237] فهو الأب في ابنته البكر والسيد في أمته "، قال مالك: «وهذا الذي سمعت في ذلك والذي عليه الأمر عندنا» ص/ 117
قال في بعض روايات ((الموطأ)) لا يجوز لأحد أن يعفو عن شيء من الصداق إلا الأب وحده لا وصي ولا غيره. وقال: مباراته عليها جائزة.
وقال الليث بن سعد لأبي البكر أن يضع من صداقها عند عقد نكاحها، وإن كان تزوجها بأقل من مهر مثلها وإن كرهت ويجوز ذلك عليها، وأما بعد عقد النكاح فليس له أن يضع شيئا من الصداق، ولا يجوز له أن يعفو عن شيء من صداقها قبل الدخول ويجوز له مباراة زوجها وهي كارهة إذا كان ذلك نظرا منه لها.
قال وكما لم يجز أن يضع لزوجها شيئا من صداقها بعد النكاح كذلك ليس له أن يعفو عن نصف صداقها بعد الطلاق.
فرع/ من بيده عقدة النكاح؟
وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري وبن شبرمة والأوزاعي: الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج وعفوه أن يتم لها كمال المهر بعد الطلاق قبل الدخول. ص/118
وأما الذين قالوا من السلف أيضا إن الذي بيده عقدة النكاح الزوج علي بن أبي طالب وجبير بن مطعم لم يختلف عنهما في ذلك.
حجتهم: (العقل) لأن عقدة النكاح في الحقيقة ترجع إلى الزوج، سواء كان هناك ولي أو لم يكن.
وقالوا: وقوله تعالى (إلا أن يعفون) البقرة 237 للبكر والثيب، والبكر البالغ عندهم يجوز تصرفها في مالها ما لم يحجر الحاكم عليها كالرجل البالغ سواء. دليل العقل.
ومن حجتهم (الكتاب): عموم الآية في قوله تعالى (إلا أن يعفون) البقرة 237. فلم يخص بكرا من ثيب في نسق قوله (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون) البقرة 237 يعم الأبكار والثيب.
(الإجماع): قد أجمع المسلمون أن الثيب والبكر في استحقاق نصف المهر بالطلاق قبل الدخول سواء ثم قال تعالى (إلا أن يعفون) البقرة 237 فكذلك هو في البكر وغير البكر إلا ما أجمعوا عليه من رفع القلم عنه للصغيرة منهن.
وأما قول مالك فقد قال به الزهري قبله قال: الذي بيده عقدة النكاح الأب في ابنته البكر.
وممن قال إن الذي بيده عقدة النكاح هو الولي بن عباس على اختلاف عنه، حيث قال في رواية أخرى: الذي بيده عقدة النكاح الزوج.
وقد كان يقول الشافعي بالعراق في هذه المسألة بقول مالك أنه الولي الأب في ابنته البكر والسيد في أمته ثم رجع عنه بمصر.
ومن حجة من ذهب إلى قول مالك: (القياس) في ذلك أن النصف الأول المذكور لما كان نصف المرأة، كان الثاني على ذلك أيضا لأنه قد يشق عليه. ولأنه ملك اكتسبه إياها أبوها بالعقد عليها فله التصرف فيه خاصة وليس كذلك سائر مالها.
فرع/ أن يزوج الرجل ابنته الصغيرة على أقل من صداق مثلها.
وقد اختلفوا في هذه المسألة:
فقال مالك: جائز أن يزوج الرجل ابنته الصغيرة على أقل من صداق مثلها إذا كان ذلك نظرا. وبه قال أبو حنيفة والليث وزفر.
وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي: لا يجوز أن يزوج ابنته البكر على أقل من صداق مثلها.

فرع/ أن يزوج الرجل ابنه الصغير على أكثر من مهر المثل.
قال مالك: جائز أن يزوج الرجل ابنه الصغير على أكثر من مهر المثل
وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يجوز ذلك له

مسألة/ اليهودية أو النصرانية تحت اليهودي أو النصراني فتسلم قبل أن يدخل بها.
قال مالك: في اليهودية أو النصرانية تحت اليهودي أو النصراني فتسلم قبل أن يدخل بها إنه «لا صداق لها» ص/ 123
قال مالك: لا صداق لها. قال أبو عمر: هذا هو قول أبي حنيفة والشافعي وأصحابهما والثوري
وبه قال أحمد وجماعة.
دليلهم: (العقل) قالوا وإنما لم يجب لها شيء من الصداق، لأن الفسخ جاء من قبلها ولم يدخل بها، ولو كان هو المسلم بقي على نكاحه معها بإجماع لا خلاف فيه. ولأنهما تناكحا على دينهما ثم أتى منهما ما يوجب الفراق فلما لم يكن منه مسيس لم يكن لها من الصداق شيء
وقال قوم من التابعين: لها نصف الصداق وإن أسلمت دونه قبل الدخول. دليلهم: (العقل) لأنها فعلت ما لها فعله وهو لما أبى من الإسلام جاء الفسخ من قبله. وإن كانت مدخولا بها فلها صداقها بإجماع أيضا.

(4) باب إرخاء الستور (16/ 125)
في هذه المسألة قول زيد بن ثابت في مسألة ارخاء الستور كقول عمر بن الخطاب.
1073 -مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أن عمر بن الخطاب قضى في المرأة إذا تزوجها الرجل، أنه إذا أرخيت الستور، فقد وجب الصداق.
1074 -مالك، عن ابن شهاب؛ أن زيد بن ثابت كان يقول: إذا دخل الرجل بامرأته، فأرخيت عليهما الستور، فقد وجب الصداق. (16/ 125)
ذكر أقوال الصحابة في إرخاء الستور الخلوة للصداق:
إذا أغلق بابا وأرخى سترا، وخلا بها، فقد وجب الصداق. رواه عن عمر المدنيون، والكوفيون.
هذا قول كل من عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وابن عمر، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت. (127-126)

عن زرارة بن أوفى، قال: قضى الخلفاء الراشدون المهديون أنه من أغلق بابا، وأرخى سترا، فقد وجب المهر، ووجبت العدة.
وروى ابن عيينة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: دخلت مع أبي مكة، فخطبت امرأة، فأتيت أبي، وهو مع سعيد بن جبير، فقال: لا تذهب هذه الساعة، فإنها ساعة حارة نصف النهار، قال: فذهبت، وخالفته، وتزوجتها، فقالوا: لو دخلت على أهلك، فدخلت، فأرخيت الستور، وأغلقت الباب، فنظرت إليها، فإذا امرأة قد علتها كبرة، فندمت، فأتيت أبي، فأخبرته، فقال: لقد خدعك القوم، لزمك الصداق. قال سفيان: وهي من آل الأخنس بن شريق. (128)

ذكر اختلاف الفقهاء في الخلوة المذكرة هل توجب المهر أم لا؟
الأول: قول مالك، وأصحابه: أنها توجب المهر إن ادعته المرأة وقالت: إنه قد مسني. إذا كانت الخلوة خلوة بناء.
وهو عندهم معنى قول سعيد بن المسيب إذا دخلت عليه في بيته صدقت عليه، وكان القول قولها فيما ادعت من مسيسها؛ لأن البيت في البناء بيت الرجل، وعليه الإسكان، فمعنى قول سعيد: في بيته، أي دخول ابتنى في بيت مقامها، وسكناها.
ومعنى قوله: في بيتها، يقول: إذا زارها في بيتها عند أهلها، أو وجدها، ولم يدخل بها دخول بناء، ولا اهتداء، فادعت أنه مسها، وأنكر، فالقول قوله؛ لأنه مدعى عليه.
ومثل هذا من مذهب مالك في الرهن يختلف الراهن والمرتهن فيما عليه من الدين، فالقول عنده قول المرتهن؛ لأن الرهن بيده، فيصدق فيما بينه وبين قيمته، وهو فيما زاد مدع. وهذا أصله في المتداعين أن القول قول من له شبهة قوية، كاليد، وشبهها. (129)

قال مالك: فإن اتفق على أن لا مسيس لم توجب الخلوة مع إغلاق الباب وإرخاء الستر شيئا من المهر.
وقال: إذا خلا بها فقبلها، أو كشفها، أو اجتمعا على أنه لم يمسها، فلا أرى لها نصف المهر إن كان قريبا، وإن تطاول، ثم طلقها، فلها المهر كاملا، إلا أن تحب أن تضع له ما شاءت. (130)

الثاني: قال أبو حنيفة، وأصحابه: الخلوة الصحيحة تمنع سقوط شيء من المهر، وتوجب المهر كله بعد الطلاق، وطئ أو لم يطأ، ادعته أو لم تدعه، إلا أن يكون أحدهما محرما، أو مريضا، أو صائما في رمضان، أو كانت المرأة حائضا، فإن كانت الخلوة في هذه الحال ثم طلق، لم يجب لها إلا نصف المهر.
ولم يفرقوا بين بيته، وبيتها، ولا دخول بناء ولا غيره، إذا صحت الخلوة بإقرارهما، أو ببينة، وعليها العدة عندهم في جميع هذه الوجوه.
قال ابن أبي ليلى: يجب بالخلوة كمال المهر والعدة، حائضا كانت، أو صائمة، أو محرمة على ظاهر الأحاديث عن الصحابة في إغلاق الباب وإرخاء الستور. وهو قول عطاء.
وقد قال ابن شبرمة: إن اجتمع على أنه لم يمسها، فنصف المهر. (16/ 131)
قال الثوري: لها المهر كاملا إذا خلا بها، فإن لم يدخل بها إذا جاء العجز من قبله، أو كانت رتقاء، فلها نصف الصداق. قال أبو عمر: هذا عندهم قياس على تسليم السلعة المبيعة إلى المشتري أنه يلزمه ثمنها، قبضها أو لم يقبضها.
قال أبو عمر: حجة هؤلاء كلهم الآثار عن الصحابة فيمن أغلق بابا، أو أرخى سترا أنه قد وجب عليه الصداق.
الثالث: قال الشافعي: إذا خلا بها ولم يجامعها، ثم طلق، فليس لها إلا نصف الصداق، ولا عدة عليها.
وهو قول أبي ثور، وداود. وروي ذلك عن ابن مسعود، وابن عباس. ذكره أبو بكر، عن ابن أبي شيبة. (133)

قضى شريح في رجل دخل بامرأته، فقال: لم أصب منها وصدقته - بنصف الصداق، فعاب الناس ذلك عليه، فقال: قضيت بكتاب الله عز وجل. قال أبو عمر: قال الله عز وجل: وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم [ البقرة: 237 ].  وقال تعالى: فما لكم عليهن من عدة تعتدونها [ الأحزاب: 49 ] فأين المذهب عن كتاب الله تعالى؟. ولم يجتمعوا على أن مراد الله - عز وجل - من خطابه هذا غير ظاهر، ولا تعرف العرب الخلوة دون وطء مسببا، والله أعلم.( 134)

 (5) باب المقام عند البكر والأيم(16/ 135)
1075 - مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، عن أبيه؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين تزوج أم سلمة، وأصبحت عنده، قال لها: "ليس بك على أهلك هوان. إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن. وإن شئت ثلثت عندك ودرت" فقالت: ثلث.
بيان درجة الحديث: قال أبو عمر: هذا الحديث ظاهره الانقطاع، وهو مسند متصل، صحيح، قد سمعه أبو بكر بن عبد الرحمن، من أم سلمة. (136)
قال أبو عمر: أما قوله في هذا الحديث: إن سبعت لك سبعت لنسائي، فإنه لا يقول به مالك، ولا أصحابه. وهذا مما تركوه من رواية أهل المدينة لحديث بصري.

1076 - مالك، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك؛ أنه كان يقول: للبكر سبع، وللثيب ثلاث.
قال مالك: وذلك الأمر عندنا. وقال: فإن كانت له امرأة غير التي تزوج. فإنه يقسم بينهما. بعد أن تمضي أيام التي تزوج بالسواء. ولا يحسب على التي تزوج ما أقام عندها.
المعاني المستنبطة من الحديث:
قال أبو عمر: من قال بحديث هذا الباب يقول: إن أقام عند البكر، أو الثيب سبعا أقام عند سائر نسائه سبعا سبعا، وإن أقام عندها ثلاثا أقام عند كل واحدة ثلاثا ثلاثا، فتأولوا في قوله، صلى الله عليه وسلم: " وإن شئت ثلثت، ودرت أي درت ثلاثا ثلاثا. وهو قول الكوفيين. (137)
وفي هذا الباب عجب؛ لأنه صار فيه أهل الكوفة، إلى ما رواه أهل المدينة، وصار [فيما رواه] أهل المدينة إلى ما رواه أهل البصرة.
اختلاف الفقهاء، وذكر أقوالهم في هذا الباب:
الأول: قال مالك، والشافعي، وأصحابهما، والطبري: يقيم عند البكر سبعا، وعند الثيب ثلاثا فإن كانت له امرأة أخرى غير الذي تزوج، فإنه يقسم بينهما بعد أن تمضي أيام التي تزوج، ولا يقيم عندها ثلاثا.
وقال ابن القاسم، عن مالك: مقامه عند البكر سبعا، وعند الثيب ثلاثا إذا كان له امرأة أخرى - واجب.
وقال ابن عبد الحكم، عن مالك: ذلك مستحب، وليس بواجب. (138)

الثاني: وقال أبو حنيفة، وأصحابه: القسم بينهما سواء البكر والثيب، ولا يقيم عند الواحدة إلا كما يقيم عند الأخرى.
تعليل محمد بن الحسن لهم قال: لأن الحرمة لهما سواء، ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤثر واحدة عن الأخرى.
واحتجوا بحديث هذا الباب: إن سبعت لك سبعت لنسائي، وإن شئت ثلثت، ودرت، يعني بمثل ذلك.
واحتجوا أيضا بقوله، صلى الله عليه وسلم: " من كانت له زوجتان، ومال إلى إحداهما جاء يوم القيامة، وشقه مائل.
ترجيح أبو عمر قال: عن التابعين في هذا الباب من الاختلاف، كالذي بين أئمة الفتوى فقهاء الأمصار، وما ذهب إليه مالك، والشافعي، فهو الذي وردت به الآثار المرفوعة، وهو الصواب، إن شاء الله عز وجل. (139)
فمنها حديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا تزوج البكر أقام عندها سبعا، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا ".(140) وقوله فيه: "السنة". دليل على رفعه.
قال أبو عمر: لما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: للبكر سبع، وللثيب ثلاث دل على أن ذلك حق من حقوقهما، فمحال أن يحاسبا بذلك. وعند أكثر العلماء ذلك واجب لهما، كان عند الرجل زوجة أم لا؛ لقوله، صلى الله عليه وسلم: " إذا تزوج البكر أقام عندها سبعا، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا "، ولم يخص من له زوجة ممن لا زوجة له. (16/ 141)
المقام المذكور هل هو من حقوق الزوجة على الزوج، أو من حقوق الزوج على سائر نسائه؟
قالت طائفة: هو حق للمرأة، إن شاءت طالبت به، وإن شاءت تركته.
وقال آخرون: هو من حق الزوج إن شاء أقام عندها، وإن شاء لم يقم، فإن أقام عندها، ففيه من الاختلاف ما ذكرنا، وإن لم يقم عندها إلا ليلة دار.
اختيار أبو عمر: فالقول عندي أولى باختيار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ذلك حق؛ لقوله: " للبكر سبع، وللثيب ثلاث "، وقوله: " من تزوج بكرا أقام عندها سبعا، وعند الثيب ثلاثا "، وبالله تعالى التوفيق، وهو حسبي ونعم الوكيل.(16/ 142)

 (6) باب ما لا يجوز من الشروط في النكاح (16/ 143)
1077 –مالك؛ أنه بلغه أن سعيد بن المسيب سئل عن المرأة تشترط على زوجها أنه لا يخرج بها من بلدها، وقال سعيد بن المسيب: يخرج بها إن شاء.
قال مالك: فالأمر عندنا أنه إذا شرط الرجل للمرأة. وإن كان ذلك عند عقدة النكاح، ألا أنكح عليك ولا أتسرى: إن ذلك ليس بشيء. إلا أن يكون في ذلك يمين بطلاق، أو عتاقة، فيجب ذلك عليه ويلزمه.
عن عباد بن عبد الله، عن علي، قال: رفع إليه رجل تزوج امرأة، وشرط لها دارها، فقال علي: شرط الله قبل شرطهم، أو قال: قبل شرطها، ولم ير لها شيئا.
قال أبو عمر: معنى قوله: شرط لها دارها، أي شرط لها ألا يخرجها من دارها، ولا يرحلها عنها. ومعنى قول علي، رضي الله عنه: شرط الله قبل شرطها، يريد قول الله، عز وجل: أسكنوهن من حيث سكنتم [الطلاق: 6]. (16/ 144)
وقال طاوس: ليس الشرط بشيء. وذكر عبد الرزاق، عن ابن جريج، قال: أخبرني أبو الزبير أنه سأل طاوسا قال: قلت: المرأة تشترط عند عقد النكاح أني عند أهلي، لا يخرجني من عندهم؟ قال: كل امرأة مسلمة اشترطت شرطا على رجل استحل به فرجها، فلا يحل له إلا أن يفي به. قال أبو عمر: هذا أصح عن طاوس. (16/ 145)
وروي مثل ذلك عن جماعة من السلف أعلاهم عمر بن الخطاب، رضي الله عنه. عن عبد الرحمن بن غنم سمع عمر يسأل عن رجل تزوج امرأة، وشرط لها دارها ؟ فقال عمر: لها شرطها، والمسلمون عند شروطهم، ومقاطع الحقوق عند الشروط.
عن أبي حيان قال: حدثني أبو الزناد أن امرأة خاصمت زوجها إلى عمر بن عبد العزيز، وكان قد شرط لها دارها حين تزوجها ألا يخرجها منها، فقضى عمر أن لها دارها، لا يخرجها منها. (16/ 146)
قال أبو عمر: ذكر ابن القاسم، وابن وهب، وغيرهما عن مالك إذا اشترط لها ألا يخرج بها، فليس بشيء، وله أن يخرج بها. وكذلك إذا شرط ألا ينكح عليها، ولا يتسرى، لا يلزمه شيء من ذلك إلا أن يحلف أن يقل ذلك بيمين طلاق، أو عتق، أو تمليك، فتلزمه يمينه تلك. (16/ 147)
وقال الشافعي، وأبو حنيفة، وأصحابهما: إذا تزوجها على شرط ألا يخرجها من بيتها، فالنكاح جائز، والشرط باطل، وكذلك سائر الشروط عندهم في النكاح عليها والتسري، فإن كان سمى لها أقل من مهر مثلها، ثم لم يف لها أكمل لها مهر مثلها عند الكوفيين.
وأما الشافعي فالمهر عنده مع هذه الشروط فاسد، ولها مهر مثلها.
وعند مالك الشرط باطل، وليس لها إلا ما سمى لها. (16/ 148)
قال أبو عمر: احتج من ألزمه الوفاء بما شرط لها في عقد نكاحها ألا يخرجها من دارها، ولا يتسرى عليها ولا ينكح، ونحو ذلك من الشروط؛ لحديث عقبة بن عامر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج.
واحتج من لم ير الشروط شيئا بحديث عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: كل شرط ليس في كتاب الله عز وجل، فهو باطل. (16/ 149)
 (7) باب نكاح المحلل وما أشبهه(16/ 150)
1078 - مالك، عن المسور بن رفاعة القرظي، عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير ؛ أن رفاعة بن سموال طلق امرأته، تميمة بنت وهب في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثا. فنكحت عبد الرحمن بن الزبير. فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسها. ففارقها. فأراد رفاعة أن ينكحها. وهو زوجها الأول الذي كان طلقها. فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنهاه عن تزويجها. وقال " لا تحل لك حتى تذوق العسيلة ". مرسل.
1079 - مالك عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها سئلت عن رجل طلق امرأته البتة فتزوجها بعده رجل آخر. فطلقها قبل أن يمسها. هل يصلح لزوجها الأول أن يتزوجها ؟ فقالت عائشة: لا حتى يذوق عسيلتها.
قال أبو عمر: حديث المسور بن رفاعة في رواية يحيى، وجمهور رواة " الموطأ " مرسل. و من أحسن الروايا رواية الزهري، قال: أخبرني عروة عن عائشة، سمعها تقول: جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إني كنت عند رفاعة، فطلقني، فبت طلاقي، فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير، وإنما معه مثل هدبة الثوب، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أو تريدي أن ترجعي إلى رفاعة ؟ (151) لا حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك. قالت: وأبو بكر عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وخالد بن سعيد بالباب فنادى فقال: يا أبا بكر ألا تسمع إلى ما تجهر به هذه عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم. (155)

1080 -مالك؛ أنه بلغه أن القاسم بن محمد، سئل عن رجل طلق امرأته البتة، ثم تزوجها رجل آخر، فمات عنها قبل أن يمسها، هل يحل لزوجها الأول أن يراجعها؟ فقال القاسم بن محمد: لا يحل لزوجها الأول أن يراجعها.
وأما قول مالك في آخر هذا الباب: في المحلل: إنه لا يقيم على نكاحه ذلك. حتى يستقبل نكاحا جديدا فإن أصابها في ذلك فلها مهرها. فهذا منه حكم بأن نكاح المحلل فاسد، لا يقيم عليه، ويفسخ قبل الدخول وبعده.

وقد اختلف الفقهاء في هذا المعنى:
1/ أن المطلقة ثلاثا لا يحللها لزوجها إلا طلاق زوج قد وطئها، وأنه إن لم يطأها لم تحل للأول. ومعنى ذوق العسيلة هو الوطء. وعلى هذا جماعة العلماء.
2/ وقال سعيد بن المسيب: جائز أن ترجع إلى الأول إذا طلقها الثاني وإن لم يمسها، وأظنه لم يبلغه حديث العسيلة، وأخذ بظاهر القرآن فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره [البقرة: 23] فإن طلقها أعني الثاني فلا جناح عليهما أن يتراجعا وقد طلقها. وليس في القرآن ذكر مسيس في هذا الموضع، وغابت عنه السنة في ذلك، ولذلك لم يعرج على قوله أحد من العلماء بعده.
3/ وانفرد أيضا الحسن البصري، فقال: لا تحل للأول حتى يطأها (16/ 156) الثاني وطأ فيه إنزال، وقال: معنى العسيلة: الإنزال. وخالفه سائر الفقهاء، وقالوا: التقاء الختانين يحللها لزوجها.
قال أبو عمر: ما يوجب الحد، ويفسد الصوم والحج، يحل المطلقة، ويحصن الزوجين، ويوجب كمال الصداق. وعلى هذا مذهب مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، وجمهور الفقهاء.
وقال مالك، وابن القاسم: لا يحل المطلقة إلا الوطء المباح، فإن وقع الوطء في صوم، أو اعتكاف، أو حج، أو حيض، أو نفاس لم يحل المطلقة، ولا يحل الذمية عندهم وطء زوج ذمي لمسلم، ولا وطء من لم يكن بالغا.
وقال أبو حنيفة، والشافعي. وأصحابهما، والثوري، والأوزاعي، والحسن بن حي: يحلها التقاء الختانين، ووطء كل زوج يعد وطؤه وطأ، وإن لم يحتلم إذا كان مراهقا. وليس وطء الطفل عند الجميع بشيء. (16/ 157)
قال الشافعي: إذا أصابها بنكاح صحيح، وغيب الحشفة في فرجها، فقد ذاق العسيلة، وسواء في ذلك قوي النكاح، وضعيفه. قال: والصبي الذي يطأ مثله، والمراهق، والمجنون، والخصي الذي قد بقي معه ما يغيبه في الفرج يحلون المطلقة لزوجها. وتحل الذمية للمسلم بوطء زوج ذمي لها بنكاح صحيح. قال: وكذلك لو أصابها محرما، أو أصابها حائضا، أو محرمة، أو صائمة كان عاصيا، وأحلها وطؤه.
قال أبو عمر: مذهب الكوفيين، والثوري، والأوزاعي في هذا كله نحو مذهب الشافعي، ونحو مذهب ابن الماجشون، وطائفة من أهل المدينة من أصحاب مالك، وغيرهم. (16/ 158)

واختلفوا في عقدة نكاح المحلل:
1/ فقال مالك في " الموطأ " وغيره: إنه لا يحلها إلا نكاح رغبة، وأنه إن قصد التحليل لم تحل له، وسواء علما، أو لم يعلما لا تحل، ويفسخ نكاح من قصد إلى التحليل، ولا يقر على نكاحه قبل الدخول وبعده.
2/ وقال أبو حنيفة، وأبو يوسف: النكاح جائز، وله أن يقيم على نكاحه ذلك.

واختلفوا هل تحل للزوج الأول إذا تزوجها ليحلها:
فمرة قالوا: لا تحل له بهذا النكاح. ومرة قالوا: تحل له بذلك العقد إذا كان معه وطء، أو طلاق. (16/ 159)
وقال الشافعي: إذا تزوجها ليحلها وأظهر ذلك، فقال: أتزوجك (16/ 160) لأحلك، ثم لا نكاح بيننا بعد ذلك، فهذا ضرب من نكاح المتعة، وهو فاسد، لا يقر عليه، ولا يحل له الوطء على هذا وإن وطئ لم يكن وطؤه تحليلا. قال: وإن تزوجها تزويجا مطلقا لم يشترط، ولا اشترط عليه التحليل، إلا أنه نواه وقصده،
فللشافعي في كتابه القديم - العراقي - في ذلك قولان: (أحدهما): مثل قول مالك. (والآخر): مثل قول أبي حنيفة. ولم يختلف قوله في كتابه الجديد - المصري - أن النكاح صحيح إذا لم يشترط التحليل في قوله. (16/ 161)
قال أبو عمر: روي عن النبي - عليه السلام - أنه لعن المحلل، والمحلل له من حديث علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وأبي هريرة، وعقبة بن عامر. وفي حديث عقبة: " ألا أدلكم على التيس المستعار؟ هو المحلل ".
وقال: معلوم أن إرادة المرأة المطلقة للتحليل لا معنى لها إذا لم يجامعها الرجل على ذلك؛ لأن الطلاق ليس بيدها، فوجب ألا تقدح إرادتها في عقد النكاح. (16/ 162) وكذلك المطلق أحرى ألا يراعى؛ لأنه لا مدخل له في إمساك الزوج الثاني، ولا في طلاقه إذا خالفه في ذلك، فلم تبق إلا إرادة الزوج (16/ 163) الناكح، فإن ظهر ذلك بالشرط علم أنه محلل دخل تحت اللعنة المنصوص عليها في الحديث. ولا فائدة للعنة إلا إفساد النكاح، والتحذير منه، والمنع يكون حينئذ في حكم نكاح المتعة كما قال الشافعي، ويكون محللا، فيفسد نكاحه. وهاهنا يكون إجماعا من المشدد والمرخص، وهو اليقين، إن شاء الله تعالى.
وقد روي عن عمر بن الخطاب في نكاح المحلل أنه قال: لا أوتي بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما.
وكذلك القول في قول ابن عمر إذ سئل عن نكاح المحلل، فقال: لا أعلم ذلك إلا السفاح.
قال أبو عمر: ليس الحدود كالنكاح في هذا؛ لأن الحد ربما درئ بالشبهة، والنكاح إذا وقع على غير سنة، وطابق النهي فسد؛ لأن الأصل أن الفروج محظورة، فلا تستباح إلا على الوجه المباح لا المحظور المنهي عنه. ولعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المحلل والمحلل له كلعنه آكل الربا وموكله، ولا ينعقد بشيء من ذلك، ويفسخ أبدا، وبالله التوفيق.(16/ 164)

 (8) باب ما لا يجمع بينه من النساء(16/ 165)
1081 - مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة ؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها ".
قال أبو عمر: زعم بعض الناس أن هذا الحديث لم يرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا من حديث أبي هريرة، وقد روي من حديث جابر، وأبي سعيد الخدري. فحديث أبي سعيد الخدري: عن النبي - عليه السلام - قال: " لا تنكح المرأة على عمتها، ولا على خالتها " وحديث جابر، عن النبي - عليه السلام - مثله. وأما طرق حديث أبي هريرة، فمتوافرة. (16/ 167)
وهو حديث مجتمع على صحته، وعلى القول بظاهره، وبما في معناه، فلا يجوز عند الجميع الجمع بين المرأة، وعمتها، وإن علت، ولا بين المرأة وخالتها، وإن علت، ولا يجوز نكاح المرأة على بنت أختها، ولا على بنت أخيها، وإن سفلت. وهذا في معنى تفسير: حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم [ النساء: 23 ] أنها الأم وإن علت، والابنة وإن سفلت، وكما لا يجوز نكاح المرأة على عمتها، كذلك لا يجوز نكاح عمتها عليها، وكذلك حكم الخالة مع بنت أختها؛ لأن المعنى الجمع بينهما. وهذا كله مجتمع عليه، لا خلاف فيه. (16/ 168)
وفي هذا الحديث زيادة بيان على ما نص عليه القرآن، (16/ 169) وذلك أن الله - عز وجل - لما قال: حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم إلى قوله: وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف [ النساء: 23 ] بأن بذلك ما عدا النساء المذكورات داخلات في التحليل، ثم أكد ذلك بقوله عز وجل -:وأحل لكم ما وراء ذلكم [ النساء: 24 ] فكان هذا من الزمن ما كان، ثم نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تجمع المرأة مع عمتها، وخالتها في عصمة واحدة، فكان هذا زيادة بيان على نص القرآن، كما ورد المسح على الخفين، وليس في القرآن إلا غسل الرجلين، أو مسحهما، وماسح الخفين ليس بماسح عليهما، ولا غاسل لهما. (16/ 170)
وقد تنطعت فرقة، فقالوا؛ لم يجمع العلماء على تحريم الجمع بين المرأة، وعمتها؛ لحديث أبي هريرة. وإنما أجمعوا على ذلك بمعنى نص القرآن في النهي عن الجمع بين الأختين. (16/ 171)
والمعنى في ذلك إلى الله - عز وجل - نكاح الأخوات، فلا يحل لأحد نكاح أخته من أي وجه كانت، وحرم الجمع بين الأختين فكان المعنى في ذلك أن كل امرأتين، لو كانت إحداهما رجلا لم يحل له نكاح الأخرى، لم يحل له الجمع بينهما.

قال أبو عمر: هذه فرقة تنطعت، وتكلفت في استخراج علة بمعنى الإجماع، وهذا لا معنى له؛ لأن الله - عز وجل - لما حرم على عباده من أمة نبيه محمد - عليه السلام - اتباع غير سبيل المؤمنين، استحال أن يكون ذلك في غير الإجماع؛ لأن مع الاختلاف كل يتبع سبيل المؤمنين بأن من اتبع غير ما أجمع المؤمنون عليه، فقد فارق جماعتهم، وخلع الإسلام من عنقه، وولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم، وساءت مصيرا، فوضح بهذا كله أن متى صح الإجماع، وجب الاتباع، ولم يحتج إلى حجة تستخرج برأي لا يجتمع عليه.

وقد اختلف العلماء في المعنى المراد بقوله - عليه السلام: " لا تنكح المرأة على عمتها، ولا على خالتها ".
1/ فقالت طائفة: معناه كراهية القطيعة، فلا يجوز لأحد أن يجمع بين امرأتين بينهما قرابة رحم، محرمة أو غير محرمة، فلم يجيزوا الجمع بين ابنتي عم، أو عمة، ولا بين ابنتي خال أو خالة. روي ذلك عن إسحاق بن طلحة بن عبيد الله، والحسن بن أبي الحسن، وجابر بن زيد، وعكرمة، وقتادة، وعطاء، على اختلاف عنه.
2/ وروى ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، أنه كره أن يجمع بين ابنتي العم. (16/ 172) وعن ابن عيينة، وابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن الحسن بن محمد بن علي، أنه أخبره أن حسن بن حسين بن علي نكح ابنة محمد بن علي، وابنة عمر بن علي، جمع بين ابنتي عم، فأصبح نساؤهم لا يدرين إلى أيتهما يذهبن.
قال ابن جريج: فقلت لعطاء: الجمع بين المرأة وابنة عمها؟ قال: لا بأس بذلك. وروى معمر، عن قتادة، قال: لا بأس أن يجمع الرجل بين ابنتي العم.
قال أبو عمر: على هذا القول جمهور العلماء، وجماعة الفقهاء أئمة الفتوى: مالك، والشافعي - وأبو حنيفة، والثوري، وأحمد، وإسحاق، والأوزاعي، وغيرهم. (16/ 173)
وقال جماعة منهم: إنما يكره الجمع بين امرأتين، لو كانت إحداهما رجلا لم يجز له نكاح الأخرى، اعتبارا بالأختين، وليس ابنة العم من هذا المعنى.
حجتهم: عن أبي حريز عن الشعبي، قال: كل امرأتين إذا جعلت موضع إحداهما ذكرا لم يجز له أن يتزوج الأخرى، فالجمع بينهما حرام، قلت له: عمن هذا؟ فقال عن أصحاب محمد، صلى الله عليه وسلم. (16/ 174)

قال أبو عمر: قد اختلف العلماء في جمع الرجل في النكاح بين امرأة رجل، وابنته من غيرها:
فالجمهور على أن ذلك جائز، وعليه جماعة الفقهاء بالمدينة، ومكة، والعراق، ومصر، والشام، إلا ابن أبي ليلى من أهل الكوفة.
ولهم: عن قثم: أن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب جمع بين امرأة علي، وابنته من غيرها.
وعن عكرمة بن خالد أن عبد الله بن صفوان بن أمية تزوج امرأة رجل، وابنته من غيرها. (16/ 175)
وقالت طائفة، منهم الحسن، وعكرمة: لا يجوز لأحد أن يجمع بين امرأة رجل، وابنته من غيرها.
واعتلوا بالعلة التي ذكرنا بأن إحداهما لو كان رجلا، لم يحل له نكاح الأخرى.

1082 - مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب ؛ أنه كان يقول: ينهى أن تنكح المرأة على عمتها. أو على خالتها. وأن يطأ الرجل وليدة وفي بطنها جنين لغيره.
قال أبو عمر: وأما قوله: وإن وطئ الرجل وليدة وفي بطنها جنين لغيره. مروي عن النبي - عليه السلام - من حديث رويفع بن ثابت، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يسقي ماءه ولد غيره ".(16/ 177)
وروى أبو سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في غزوة أوطاس، ونادى مناديه بذلك: لا توطئوا حاملا حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة.
قال أبو عمر: لا خلاف بين العلماء - قديما ولا حديثا - أنه لا يجوز لأحد أن يطأ امرأة حاملا من غيره بملك يمين، ولا نكاح، ولا غير حامل حتى يعلم براءة رحمها من ماء غيره. (16/ 178)

واختلفوا فيمن وطئ حاملا من غيره، ما حكم ذلك الجنين؟
1/ فذهب مالك، والشافعي، وأبو حنيفة إلى ألا يعتق ذلك الجنين.
2/ وقال الأوزاعي، والليث: يعتق. ولكل قول من هذين القولين سلف من التابعين.
والقول بأن لا يعتق أولى في النظر؛ لأن العقوبات ليست هذه طريقها، ولا أصل يوجب عتقه، فيسلم له، وألزمه يديه حتى يجب فيها الواجب بدليل لا معارض له ولا أصل، وبالله التوفيق. (16/ 179)

 (9) باب ما لا يجوز من نكاح الرجل أم امرأته(16/ 180)
1083 -مالك، عن يحيى بن سعيد؛ أنه قال: سئل زيد بن ثابت عن رجل تزوج امرأة، ثم فارقها قبل أن يصيبها. هل تحل له أمها؟ فقال زيد بن ثابت: لا، الأم مبهمة. ليس فيها شرط، وإنما الشرط في الربائب.
1084 -مالك، عن غير واحد؛ أن عبد الله بن مسعود استفتي وهو بالكوفة، عن نكاح الأم بعد الابنة، إذا لم تكن الابنة مست. فأرخص في ذلك. ثم إن ابن مسعود قدم المدينة. فسأل عن ذلك، فأخبر أنه ليس كما قال. وإنما الشرط في الربائب. فرجع ابن مسعود إلى الكوفة، فلم يصل إلى منزله، حتى أتى الرجل الذي أفتاه بذلك. فأمره أن يفارق امرأته.
قال أبو عمر: قال الله، عز وجل: حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم إلى قوله: وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن [ النساء: 23 ]. فأجمعت الأمة أن الرجل إذا تزوج امرأة، ولها ابنة، أنه لا تحل له الابنة بعد موت الأم، أو فراقها إن كان دخل بها، وإن كان لم يدخل بالأم حتى فارقها، حل له نكاح الربيبة، وأن قوله - عز وجل: من نسائكم اللاتي دخلتم بهن[ النساء: 23 ] شرط صحيح في الربائب اللاتي في حجورهم.

واختلفوا في أمهات النساء هل دخلن في شرط الدخول أم لا.
فقالت طائفة: الأم، والربيبة سواء لا تحرم واحدة منهما إلا بالدخول بالأخرى. وتأولوا على القرآن ما في ظاهره، فقالوا: المعنى أمهات نسائكم اللاتي دخلتم بهن، وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن. وزعموا أن قوله عز وجل: من نسائكم اللاتي دخلتم بهن راجع إلى الأمهات، والربائب.
وإلى هذا كان ابن مسعود يذهب فيما أفتى به في الكوفة، ثم لما دخل المدينة نبه على غفلته في ذلك، فرجع عنه، وقيل: إن عمر رده عن ذلك. (16/ 181)
عن ابن مسعود أن رجلا من بني شمخ بن فزارة تزوج امرأة، ثم رأى أمها، فأعجبته، فاستفتى ابن مسعود، فأمره أن يفارقها، ويتزوج أمها، إن كان لم يمسها، فتزوجها، وولدت له أولادا، ثم أتى ابن مسعود المدينة، فسأل عن ذلك، فأخبر أنها لا تحل له، فلما رجع إلى الكوفة قال للرجل: إنها عليك حرام، ففارقها.
عن يزيد بن أبي زياد: أن عمر بن الخطاب - فيما أحسب - هو الذي رد ابن مسعود عن قوله ذلك.
قال أبو عمر: هذا القول الذي كان ابن مسعود أفتى به، ثم رجع عنه يروى عن علي بن أبي طالب.
وقال: لا أعلم أحدا، قال بهذا من فقهاء الأمصار، أهل الرأي والحديث الذين تدور عليهم وعلى أصحابهم الفتوى. (16/ 184)
 عن الشعبي، عن مسروق أنه سئل عن قوله عز وجل: وأمهات نسائكم [النساء: 23] قال: هي مبهمة، فأرسلوا ما أرسل الله وما بين فاتبعوه، فكان يكره الأم على كل حال، ويرخص في الربيبة إذا لم يدخل بأمها، ويقول: أرسل الله هذه، وبين هذه. (16/ 186)
عن عمران بن حصين في أمهات نسائكم، قال: هي مبهمة. وبه قال الحسن. وهو قول ابن عمر، وابن مسعود. وإليه ذهب مالك، والثوري، وأبو حنيفة، والشافعي، وأصحابهم، والأوزاعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور، وداود، والطبري.
وقد روى المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " أيما رجل نكح امرأة، فدخل بها، أو لم يدخل بها، فلا تحل له أمها ".(16/ 187)
وأجمع العلماء على أن من وطئ امرأته، فقد حرمت عليه ابنتها وأمها، وأنه استوفى معنى قول الله تعالى: اللاتي دخلتم بهن [النساء: 23].
واختلفوا فيما دون الوطء مثل اللمس، والتجريد، والنظر إلى الفرج؛ لشهوة أو غير شهوة، هل ذلك كالوطء الذي هو الدخول المجتمع عليه أم لا ؟ (16/ 188)
1/ فقال مالك، والأوزاعي، وأبو حنيفة، والثوري، والليث، والشافعي: إذا لمسها بشهوة حرمت عليه أمها، وابنتها.
واختلفوا في النظر إلى فرجها، وإلى محاسنها؛ لشهوة، هل يحرم ذلك الابنة والأم أم لا؟
قال مالك في الرجل تكون تحته المرأة، ثم ينكح أمها فيصيبها: إنها تحرم عليه امرأته. ويفارقهما جميعا. ويحرمان عليه أبدا. إذا كان قد أصاب الأم. فإن لم يصب الأم، لم تحرم عليه امرأته، وفارق الأم.
قال أبو عمر: إنما قال ذلك للأصل الذي قدمنا، وهو قول الله -عز وجل -في تحريم من حرم من النساء: وأمهات نسائكم [النساء: 23]. (16/ 189) فمن كان تحته امرأة قد دخل بها حرمت الأم عليه بإجماع من المسلمين؛ لأنها من أمهات النساء المدخول بهن. ولو لم يدخل بها حرمت عليه أمها بالسنة عند الجمهور على ما ذكرنا في هذا الباب عنهم في أن الآية مبهمة في أمهات النساء دخل بهن، أو لم يدخل، فإذا أصاب الأم بذلك النكاح حرمت عليه الابنة بشبهة النكاح، وإن كان العقد فاسدا؛ لأن غيرنا يحرمه بالزنا، فتحريمه بشبهة النكاح الذي يلزم فيه مهر المثل أولى.
وقد كانت الأم محرمة بالعقد على الابنة، فمن هذا وجب عليه مفارقتهما جميعا، وحرمتا عليه أبدا، فإن لم يصب الأم إلا بشبهة ذلك النكاح فسخ نكاحها؛ لأنه نكاح فاسد غير منعقد، وقر مع امرأته. وهذا كله قول الكوفيين، والشافعي، وجمهور الفقهاء. (16/ 190)  
وأما بنت الربيبة، فقد اختلف في تحريمها.
فقال الجمهور: إنها محرمة تحريما مطلقا كبنات البنات، وكالأمهات وأمهات الأمهات، وإن علون. وعلى هذا القول مذاهب جمهور الفقهاء، منهم: مالك، والشافعي، وأصحابهما.
وقالت طائفة من الكوفيين: تزوج ابنة الربيبة حلال إذا لم يدخل (16/ 191) بأمها، وجعلوها كابنة العم، وابنة الخالة، فإن الله حرمها كتحريم الربيبة إذا بين، وأحل بناتهما.
واحتجوا بقول الله - عز وجل - حين حرم ما ذكره في كتابه، ثم قال: وأحل لكم ما وراء ذلكم [ النساء: 24 ]. وقد أجمع العلماء على أن ما لم يحرمه الله، فهو مباح.
وأما قول مالك في هذا الباب، في الرجل يتزوج المرأة، ثم ينكح أمها فيصيبها: إنه لا تحل له أمها أبدا. ولا تحل لأبيه، ولا لابنه، ولا تحل له ابنتها، وتحرم عليه امرأته.
قال مالك: فأما الزنا فإنه لا يحرم شيئا من ذلك. لأن الله تبارك وتعالى قال وأمهات نسائكم [النساء: 23] فإنما حرم ما كان تزويجا، ولم يذكر تحريم الزنا. فكل تزويج كان على وجه الحلال يصيب صاحبه امرأته، فهو بمنزلة التزويج الحلال.
 وقد اختلف أصحاب مالك فيمن تزوج امرأة وابنتها في عقدة واحدة، ففرق بينهما قبل المسيس، هل تحل له الأم أم لا؟
فقال ابن القاسم في " المدونة ": إذا تزوج الأم والابنة معا في عقدة واحدة، ولم يمسها حتى فرق بينهما، تزوج الأم إن شاء،
وقال سحنون: لا يتزوجها للشبهة التي فيها. (16/ 192)
قال أبو عمر: فإن مس واحدة منهما، ففي " المدونة " لابن القاسم: يفرق بينهما، وقد حرمت عليه التي لم يدخل بها أبدا، ويتزوج التي دخل بها، إن شاء كانت الأم أو الابنة. وفي " العتبية " روى أصبغ، عن ابن القاسم أنه إن كان دخل بالأم حرمتا عليه جميعا أبدا، وإن كان دخل بالابنة تزوجها إن شاء. (16/ 193)

والحمد لله رب العالمين.
عثمان بن كعب سنغاري؛
الفصل الثالث من السلك التكوين العالي المعمق.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire